سكان حيّ مولنبيك البلجيكي يتآزرون

سكان حيّ مولنبيك البلجيكي يتآزرون

01 مايو 2018
تبدلت النظرة إلى الحيّ من خارجه (العربي الجديد)
+ الخط -

على الرغم من أنّ موجة الاتهامات التي وجهت إلى حيّ مولنبيك في بلجيكا، الذي كان مصدر منفذي الهجمات الإرهابية ضد باريس وبروكسل، قد مر عليها الزمن، فإنّه ما زال مثار اهتمام كثيرين.

حيّ مولنبيك في العاصمة البلجيكية هو الحيّ الذي خرج منه منفذو الهجمات التي استهدفت بروكسل ومعها العاصمة الفرنسية باريس. هناك تبدو علاقات سكان الحيّ مع الخارج معقدة في بعض الأحيان، لكنّ ذلك يعزز تعلقهم بهوية تمر بمرحلة انتقالية.

مع بدء محاكمة صلاح عبد السلام، المهاجم الوحيد الناجي من هجمات باريس، في شهر فبراير/ شباط الماضي، عادت كاميرات الصحافة إلى حيّ مولنبيك. فبعد أكثر من عامين من تسليط الضوء عليه، بسبب صلات منفذي هجمات باريس مع الحيّ، ما زالت المنطقة التي يسكنها نحو 96 ألف نسمة تثير اهتماماً لدى البعض ونفوراً لدى آخرين. محاولة الحديث مع سكانه عن الهجمات هي إعادة فتح للجرح الذي لم يتح له الوقت حتى يشفى بالكامل، كما أنّ تعامل وسائل الإعلام مع الحيّ ترك وراءه كثيراً من الآثار السلبية التي لا تمحى. وإذا كان الجميع حريصاً على القول إنّ الحياة تتواصل بمسار طبيعي تقريباً، فإنّ بعض التعليقات تقاوم النسيان.

يقول المستشار لدى مركز المساعدة الاجتماعية، جان إيف كيتانتو، لـ"العربي الجديد": "في الأسابيع التي أعقبت الهجمات، عبّر العديد من شباب الحيّ عن شعورهم بالامتعاض من الوضع الذي قد يستمر. فاسم الحيّ، مولنبيك، من شأنه أن يلوث السيرة الذاتية". يسعى كيتانتو حالياً من خلال جمعية "حوّل ذلك إلى واقع" إلى تغيير مقهى، كان يدار سابقاً من قبل الإخوة عبد السلام، ليصبح لاحقاً مركزاً للشباب. يقول: "بات المكان حقاً وصمة عار في الحيّ". عبارة "وصمة عار" ما زالت تتردد بين كثيرين ممن يسعون إلى تجاوز الماضي.



من جهتها، تقول فاطمة رشدي مسيّرة إحدى الجمعيات التي تنظم جولات مصحوبة بمرشدين تتركز حول التراث الثقافي غير المادي لبروكسل: "كأنّنا نعيش عقاباً مزدوجاً، فقد عانينا من الأحداث ومن الصورة التي أعطيت عنا". على الرغم من أنّ الاستياء ما زال ملموساً تجاه الأفكار النمطية المنتشرة حول مولنبيك، تعتقد فاطمة أنّ من المهم الانتباه من الأحداث الماضية إلى التضامن الذي برز على مستوى الحيّ بين العديد من مواطنيه.

في زيارة السوق الأسبوعي للحيّ تتردد اللازمة نفسها: "هنا، كلّ شيء على ما يرام"، "مولنبيك؟ بلدية جميلة وهادئة"، "نواصل حياتنا في منطقة، 30 في المائة من شبابها عاطلون من العمل، وتعاني من ضغط ديموغرافي كبير جداً، ونحو 9 في المائة من البالغين يعيشون بفضل المساعدة الاجتماعية". يتضح أنّ معظم سكان مولنبيك لديهم ما يكفي من الهموم ولا يكترثون إلى نظرة الآخرين إليهم وإلى حيّهم.

أوليفييه فاندرهاغين، الحاصل على إجازة في التاريخ، والذي يقود حالياً خلية الوقاية في مولنبيك منذ عام 2014، يعتقد أنّ صورة الحيّ في الخارج لن تتغير بين عشية وضحاها، على الرغم من كلّ النوايا الحسنة: "بعض الوصمات ستختفي بعد جيل أو جيلين. يمكن للبلدية أن تتخذ ما يسعها من مبادرات، لكنّ ذلك لن يغير صورة مولنبيك لدى الآخرين". يضيف لـ"العربي الجديد": "لكن، برز بين سكان الحيّ بالتوازي توجه جديد. فهناك افتخار بالانتماء إلى مولنبيك لدى كثيرين، خصوصاً في مواجهة خطابات أعضاء من الحكومة أو على الشبكات الاجتماعية حول العلاقة بين الإرهاب والإسلام، أو ربط انعدام الأمن بالإسلام والهجرة". يشرح أنّ الشباب يشعرون في كثير من الأحيان بهوية مولنبيكية قبل التعبير عن انتمائهم إلى بروكسل أو بلجيكا.



تبرز هذه الهوية في الحوار الذي نشأ بين سكان البلدية. فمنذ عام 2015 ، أصبحت اللقاءات بين مواطنين، بعضها لأول مرة، لا تحصى: "هناك أشخاص كانوا يعبرون على أفكارهم في محيطهم فقط. كانوا مثلاً يشتكون من تواجد العديد من الملتحين في الساحات العمومية من دون أن يجرؤوا على فعل أي شيء" بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" يوهان ليمان، المدير السابق لمركز تكافؤ الفرص. يضيف: "اليوم، يشعر هؤلاء أنّهم مضطرون للتعبير عن مواقفهم. ويدركون أنّهم ليسوا وحدهم. أعتقد أنّهم كانوا يشعرون في ذلك الوقت أنّهم أقلية ويريدون حالياً أن يتحملوا المسؤولية".

توافق سارة تورين، العضو في بلدية مولنبيك عن حزب الخضر، على الفكرة. تشدد في حديثها إلى "العربي الجديد" على أنّ "هناك مواضيع معينة أصبح التطرق إليها الآن أسهل مما كان عليه في الماضي". وبحسب ما تقول فقد جرى "تخفيف القيود الدينية حول الشباب الذين يريدون أن يعيشوا حياتهم بشكل مختلف، بينما الاتصالات بين ممثلي مختلف الأديان تتضاعف في الحيّ". تشير إلى أنّ "المشاركة الكبيرة لمختلف المواطنين في وجبات الإفطار خلال شهر رمضان الماضي مثال واحد فقط على هذه اللقاءات والعلاقات التي انطلقت بين السكان".




صحيح أنّ حياة سكان الحيّ منذ وقوع الهجمات باتت تحت مجهر وسائل الإعلام والنخبة السياسية، لكنّ كثيرين يريدون أيضاً أن يتعرفوا على الحيّ: "لدينا طلبات عديدة لزيارة الحيّ لا سيما من مواطني منطقة الفلاندر، شمال بلجيكا. يريدون اكتشاف سر مولنبيك في ما يبدو" تقول رشدي. لكنّ هذا الانبهار بالحيّ بات مزعجاً لسكانه: "كلّ هذا الاهتمام السياحي دفعنا إلى رفض الطلبات والتفكير في حلّ الجمعية. لكننا أدركنا أنّه إذا لم نفعل أي شيء أو إذا لم نحاول نشر نهجنا، فإننا سنترك مجالاً للآخرين" تضيف رشدي، وتذكّر بوجهة نظر الجمعية من أجل "سياحة محلية قائمة على التبادل الحقيقي مع السكان".

اليوم، يبدو أنّ جزءاً من مستقبل مولنبيك يخص مسألة علاقته بالعالم الخارجي. فعلى الرغم من أنّ الحيّ بعيد كلّ البعد عن كونه غيتو، فلا تكوينه الاقتصادي ولا تكوينه العرقي يتطابق مع تعريف الغيتو، يتفق كثير من الناس على أنّ بعض سكانه ما زالوا أسرى لغيتو ذهني، يجب التوصل إلى حلّ لتفكيكه. عملية تحتاج إلى كثير من العمل للتوفيق بين الرغبة في تحطيم بعض الحواجز الرمزية وعدم فقدان روح المجتمع الذي يدافع عنه أهل مولنبيك.