عقمٌ فطلاق في تونس

عقمٌ فطلاق في تونس

30 ابريل 2018
الطفلة ربما حمت العائلة من الانفصال (Getty)
+ الخط -
"لم أهتم بالأمر في البداية، واعتقدت أنّ الوضع قد يتطلب الصبر والانتظار. إلاّ أنّ ذلك الوقت تجاوز الأربع سنوات، حتى قرّرت إجراء كشف طبي. وبعد إتمام الفحوصات الطبية، عرفت أنني غير قادرة على الإنجاب. في المقابل، لم أسلم من المهانة والتجريح من قبل أفراد أسرة زوجي، لأعيش أكثر من سنتين تحت التهديد بالطلاق، الذي تحقق بعد مرور ست سنوات من زواجي".

تواصل بسمة حديثها عن طلاقها بسبب عدم القدرة على الإنجاب، وتقول إنّ "تكوين أسرة وإنجاب أطفال حلم كل امرأة طبعاً. لكنّ المرأة العاقر تنبذ في مجتمعنا. حتى بعد طلاقي، لم أسلم من شتم الأقارب والمحيطين بي كأنّ الذنب ذنبي".

وتختلف حكاية علياء عن بسمة، فقد لجأت إلى الطب التقليدي والمداواة بالأعشاب بعدما تأخر إنجابها أكثر من سنتين بعد الزواج. لم تؤمن بقدرة الطب الحديث على مداواتها، بل اعتمدت على شرب بعض أنواع الأعشاب التي قيل لها إنّها مفيدة.

أخفت الأمر في البداية عن زوجها مخافة الطلاق. لكنّ عدم نفع الأمر جعلها في حالة نفسية سيئة، خصوصاً أنّ المحيطين بها أكثروا الأسئلة حول حدوث الحمل من عدمه، إلى أن قررت مراجعة الطبيب الذي أعلمها بصعوبة قدرتها على الانجاب بسبب وزنها الزائد إضافة إلى أمور أخرى، "ما يتطلب رحلة علاج طويلة لم يقبلها زوجي الذي اختار أهون الأضرار وهو الطلاق".




تقول علياء: "إذا كانت الغاية من الزواج، وفق المفهوم التقليدي، تكوين أسرة وإنجاب أطفال فقط، فإنّ العلاقة الزوجية ستنتهي في حال لم يتمكن أحد الطرفين من الإنجاب. اليوم تقبلت فكرة العيش من دون عائلة. وحتى لو رغبت في تبني طفل، فإنّ القانون لن يسمح لي بذلك لأنني امرأة مطلقة ولا منزل لي".

وإن كانت القدرة على الإنجاب مشكلة يشترك فيها النساء والرجال، فإنّ الرجل غالباً ما لا يقبل أن يكشف للناس أنه يعاني العقم، لاعتبارات عدة، منها أن الأمر يؤثر على كرامته ورجولته. من السهولة تحميل المرأة المسؤولية، وإن كشفت الفحوصات الطبية عجز الزوج. وتشير المواطنة بيّة إلى أنّ الأهل والأقارب ظلوا يلومونها على مدى ثلاث سنوات، على الرغم من أن زوجها هو الذي كان يعاني من العقم. وتقول: "لم يرض زوجي إجراء الفحوصات الطبية إلا بعد إلحاح طويل، ليكتشف أنه غير قادر على الإنجاب. ولم يواجه أية انتقادات من قبل عائلته لأنه قرر إخفاء الأمر عن الجميع، لأتحمل أنا الإهانة بدلاً عنه. وعلى الرغم من ذلك، لم أسلم من تعنيفه لي إلى أن قررت الطلاق".

وما من إحصائيات رسمية عن عدد الأزواج المصابين بالعقم. إلا أن تلك الصادرة عن بعض المنظمات والمتخصصين تؤكد أن 60 في المائة من أسباب الطلاق في تونس جنسية. كما تشير إحصائية لوزارة المرأة والأسرة والطفولة إلى أن 27.7 في المائة من أسباب الطلاق هي العقم وعدم القدرة على الإنجاب. وفي ما خص التشريع التونسي، لا توجد إجابة واضحة عن إمكانية حصول الطلاق بسبب عقم أحد الزوجين. لكنّ فقه القضاء استقر على رفض دعوى الطلاق للضرر بناء على عقم الزوجة، انطلاقاً من القرينة التي وضعها القضاء على افتراض جهل المرأة قبل الزواج لحالة العقم التي هي عليها. كما لا يقبل الطلاق للضرر بناء على عدم قدرة الزوجة أو الزوج على الإنجاب، خصوصاً وقد وجدت حالياً وسائل طبيّة لعلاج جلّ حالات العقم، على أساس أنّ الضرر وإن وجد، فإنه لم يكن نتيجة تصرّف صادر عن أحد الطرفين، وإنما هو نتيجة عوامل فيزيولوجية لا دخل له أو لها فيها.

ويوضح الخبير المتخصص في العلاقات الأسرية والزوجية، حمزة ضي، لـ "العربي الجديد"، أنّه "لا يمكن ربط نجاح العلاقة الزوجية من عدمها بمسألة الإنجاب، لأنّ نجاح العلاقة يرتبط بأسس ومعايير توافق الزوجين مثل التوافق الفكري، والتوافق الاجتماعي، والحب، وفهم احتياجات كل طرف والعمل على تحقيقها، سواء كانت عاطفية أم سلوكية وفي بعض الأحيان مادية". يضيف: "في حال كانت هذه الأسس متوفرة بين الزوجين، وقتها يكون الإنجاب في مرحلة ثانية ولا يسبب مشاكل كبيرة".

ويوضح أن "كل طرف يحلم بعيش مشاعر الأبوة أو الأمومة. وعدم القدرة على الإنجاب يشكل إحباطاً ومشاكل نفسية كبيرة للمصاب بالعقم، على غرار التوتر الشديد والعصبية وفقدان الثقة في النفس والخوف، وصولاً إلى الاكتئاب والقلق المزمن".




على صعيد آخر، يشير إلى أن مصير بعض العلاقات يكون بيد العائلة وأحياناً نظرة المجتمع، لأنّ المجتمعات العربية ذكورية، وبالتالي تكون النظرة للمرأة غير القادرة على الإنجاب قاسية جداً، لدرجة تحميلها المسؤولية. وبالتالي، تتحمل عبء ذنب لم ترتكبه، كما أنه خارج عن إرادتها، ويصير حديث جميع المحيطين بها حول الإنجاب. وتشعر كما لو أن المجتمع كله ينظر إليها بعين العطف أحياناً والاتهام أحياناً أخرى، ما يقودها إلى العزلة. وعادة ما يتعرض الزوجان إلى ضغوط نفسية واجتماعية من كل المحيطين بهم، سواء الأهل أو الأصدقاء. كما أن مجرّد تأخر الإنجاب كفيل بأن يجعل نسبة مهمة من الأهل يضغطون للتأثير على الزوج أو الزوجة واستعجال الأمر بالانفصال وطلب الطلاق.

المساهمون