مخيّم اليرموك... حصار ولجوء وجوع ودمار وموت

مخيّم اليرموك... حصار ولجوء وجوع ودمار وموت

26 ابريل 2018
هكذا كانت الصورة أمس (رامي السيد/ الأناضول)
+ الخط -


قبل أسبوع، بدأت قوات النظام السوري حملة عسكرية على مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وتفيد تقارير إعلامية عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين. الحملة مستمرّة، فماذا بعد؟

في إحدى البلدات السورية المحاصرة جنوبيّ دمشق والواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، يقيم اليوم رامي وهو شاب في الثلاثينيات من عمره. يخبر أنّ ما عاشه في جنوب العاصمة "أشبه بفيلم هوليوودي، خصوصاً في مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، لا سيّما شارع فلسطين فيه، وفي حيّ الحجر الأسود الأكثر بؤساً في حزام الفقر والتهميش الذي كان يحيط بالعاصمة وينمو منذ عقود. وذلك منذ عام 2013 حين أطبق الحصار على المنطقة وظهرت التنظيمات التكفيرية من تنظيم داعش في الحجر الأسود إلى جبهة النصرة، لنعرف ظروفاً أسأل نفسي اليوم كيف كان الإنسان يواصل الحياة في ظلها".

والأيام الأصعب والأكثر سواداً بحسب ما يقول رامي، "قد تكون ما بين النصف الثاني من عام 2013 والنصف الأول من عام 2014، عندما حصد الجوع أرواح أكثر من 200 شخص، معظمهم من الأطفال وكبار السنّ". ويشير إلى أنّ "المنطقة معروفة بأنّها سكنية مكتظة بالأبنية غير المنظمة لم تكن تضم سوى مساحة صغيرة من الأراضي الزراعية التابعة للحجر الأسود وبعض الحدائق الصغيرة التي سرعان ما تحوّلت إلى مقابر". ويتابع رامي أنّه "في فترة الحصار والتجويع التي أظنّ أنّها كانت مدروسة لنكون عبرة للسوريين جميعاً، كانت أيام تمضي من دون أن نجد ما نأكله. دخلنا البيوت المغلقة علّنا نجد بها ما يؤكل، فالحصار المتقطع والفقر دفعا الأهالي إلى ذلك".

من جهتها، تقول أم جابر: "خرجنا قبل أيام من المخيّم (اليرموك) وكان الوضع مزرياً. أنا قلقة جداً على أختي وعائلتها، إذ إنّ الوقت لم يسعفهم للخروج. لا أعلم إذا كانوا يجدون ما يأكلونه. وهم تماماً كما كلّ من بقي في المخيم، يأكلون في أفضل الأحوال وجبة واحدة في اليوم، تغلب عليها المياه". وتشرح أنّ "الشوربة على سبيل المثال، تتضمّن قليلاً من الأرزّ أو البرغل أو العدس. وفي بعض الأحيان، من المحتمل أن نحصل على نوع واحد من الخضار ولكن بكمية قليلة".



وتشير أم جابر إلى أنّه "لم يكن هناك عمل بمعنى الكلمة في المخيّم. كان زوجي يحاول أن يجمع النايلون من المنازل المدمّرة ويبيعه، قبل أن يسيطر داعش ويمنع الأهالي من جمع النايلون أو النحاس من الأسلاك الكهربائية". تضيف أنّ "مبالغ قليلة كانت تصلنا من عائلة زوجي المستقرّة في خارج المخيّم، في أوقات متباعدة. وكلّ ذلك كان يسمح لنا بشراء أكثر من كوب صغير من الأرزّ أو البرغل أو العدس يومياً، أو عدد قليل من حبات البطاطا أو الخضار التي لا تشبع شخصاً واحداً في حالة طبيعية. لكنّها كانت تكفي عائلتنا المؤلفة من ستّة أفراد".

وتتوقّف أم جابر قليلاً عن الكلام، وتستأنف حديثها قائلة: "مرّت على أطفالي أيام وهم يمضغون قطعة قماش مبللة ليخففوا عنهم ألم الجوع. واليوم، على الرغم من تحسّن الوضع قليلاً، فإنّنا ما زلنا نعجز عن تأمين احتياجاتنا الأساسية وما زالت تمرّ علينا أيام لا نتناول فيها إلا وجبة واحدة. وهذا ليس لأنّنا اعتدنا الجوع، إنّما لأنّ وضعنا المادي ما زال سيئاً. فزوجي من دون عمل حتى اليوم".




أبو مازن الشامي ناشط في جنوب دمشق يقول إنّ "مخيّم اليرموك وشارع فلسطين فيه وحيّ الحجر الأسود بالإضافة إلى أجزاء من أحياء التضامن والقدم والعسالي، تُعَدّ المعقل الوحيد لتنظيم داعش في العاصمة وريفها، بعدما استولى عليها تباعاً منذ عام 2014، على حساب فصائل المعارضة المسلحة". ويوضح أنّ "هذه المناطق التي تشكّل كتلة تنظيمية واحدة تقريباً، تبعد عن قلب دمشق أقل من خمسة كيلومترات. وهي تعدّ من أحياء جنوب دمشق التي شهدت نمواً سكانياً كبيراً قبل عام 2011، بسبب الهجرة الداخلية بحثاً عن العمل. وكانت تحتضن تلك المنطقة سوق لوبيا للألبسة الجاهزة، المعروف بجودة بضائعه ورخص أسعاره. إلى ذلك، تضمّ المنطقة أبرز أسواق السيارات في دمشق في شارع الثلاثين، إلى جانب توفّر مستشفيات وأسواق الخضار واللحوم وغيرها من محال تجارية وخدمات".

ويتابع الشامي أنّ "نحو مليونَي شخص كانوا يسكنون في المنطقة قبل عام 2011، نصفهم في المخيّم، ومن بينهم نحو 250 ألف لاجئ فلسطيني. وهذا يُعدّ أكبر تجمّع فلسطيني في الشتات، حتى أنّه كان يُطلق عليه اسم عاصمة الشتات. وكان يُلحظ هناك نشاط الحركات الفلسطينية، وأبرزها حركة حماس المتحالفة مع النظام قبل الثورة السورية، من ضمن ما كان يعرف بمحور المقاومة".

تجدر الإشارة إلى أنّه وإلى جانب اللاجئين الفلسطينيين، استقطبت المنطقة النازحين السوريين من محافظة القنيطرة والأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل والذين سكنوا في محيط مخيّم اليرموك، خصوصاً في حيّ الحجر الأسود. وسرعان ما استقطب المهاجرون السوريون داخلياً من مختلف المحافظات السورية، من ضمن بنية عمرانية عشوائية، الأمر الذي جعل عدد السوريين في تلك المنطقة أكبر من عدد اللاجئين الفلسطينيين.



من جهته، يقول مؤيد، وهو ناشط فلسطيني، إنّه "منذ ستينيات القرن الماضي، تحوّل مخيّم اليرموك، وشارع فلسطين فيه، إلى ساحة استقطاب للنضال الوطني الفلسطيني، وقد نشطت فيه مجمل الحركات الثورية الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين". يضيف: "لكن مع الخلافات بين النظام السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية، جعلت اليرموك يتعرّض مثل غيره من المخيّمات الفلسطينية إلى ضغوط أمنية كبيرة، وقد اعتقل آلاف الفلسطينيين بتهمة انتمائهم إلى حركة فتح وصودرت مكاتب الحركة. كذلك، دعمت دمشق حركات انشقاق قام بها مسؤولون في فتح، الأمر الذي أدّى إلى تراجع دور مخيّم اليرموك في العمل المسلح، كذلك على مستوى الحراك السياسي، لمصلحة نشاط تجاري انعكس من خلال نهضة اقتصادية لافتة".

ويشير مؤيد إلى أنّ "نسبة الدمار في المنطقة كانت تُقدَّر قبل الحملة الأخيرة بأكثر من 40 في المائة، إلى جانب أضرار كبيرة في ما بقي منه"، مضيفاً أنّ "المنطقة دخلت في إطار الصراع في سورية منذ عام 2012، وقد بدأت حينها حركة النزوح الجماعي، مع نزوح عشرات الآلاف من السكان تباعاً إلى ضواحي دمشق. وحتى اليوم، لم يعودوا إليها". ويتابع أنّ "مرحلة النزوح الثانية أتت في أواخر عام 2013، في ظل حصار جزئي تحوّل لاحقاً إلى حصار مطبق في منتصف عام 2014. وقد أشارت التقديرات حينها إلى أنّ 90 في المائة من سكان المخيّم غادروه، في حين لا يزيد عدد من تبقّى منهم على 20 ألف شخص. هؤلاء بقوا لأسباب أمنية أو بسبب الفقر الشديد، وثمّة منهم من كان يعتقد أنّ الأزمة لن تطول".




ويؤكد مؤيد في سياق متصل أنّ "المخيّم ومحيطه من المناطق السورية الأولى التي سُجّل فيها واقع إنساني كارثي. فسكان المنطقة هم أوّل الذين أكلوا الحشائش والقطط والكلاب من جرّاء الجوع الذي حصد أرواح نحو 200 شخص منهم، في ظل تدنّي مستوى الرعاية الطبية بشكل كبير. إلى ذلك، يعاني المخيّم لا سيّما شارع فلسطين فيه، تماماً كما سائر مناطق جنوبيّ دمشق غير الموقّعة على اتفاقات هدن مع النظام، منذ عام 2013 من انقطاع في الكهرباء ومياه الشرب والاتصالات وتضرر شبكة الصرف الصحي".

تجدر الإشارة إلى أنّ تنظيم داعش ظهر في حيّ الحجر الأسود في عام 2014، من جرّاء مبايعة مجموعة مسلحة من أبناء المنطقة له، وسرعان ما تمدد في عام 2015 في أجزاء من المنطقة بالتعاون مع جبهة النصرة، قبل أن ينشب اقتتال بينهما في النصف الأول من عام 2016 ويتسبب في نزوح نحو 14 ألفاً من سكانه إلى المناطق المتاخمة لمخيّم اليرموك. ولم يتبقَّ في المخيّم اليوم سوى ستّة آلاف يعانون الأمرّين بسبب افتقادهم لكلّ مقومات الحياة.