بيان عنصري "ضدّ معاداة السامية" يستهدف مسلمي فرنسا

بيان عنصري "ضدّ معاداة السامية" يستهدف مسلمي فرنسا

24 ابريل 2018
توجه معادي للإسلام (Getty)
+ الخط -
تتواصل التعليقات والردود المستنكرة لنص بيان نشرته صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية بعنوان "ضد معاداة السامية الجديدة"، أول من أمس الأحد، وقعته أكثر من 300 شخصية معروفة، ويصف كاتبه الصحافي فيليب فال، المدير الأسبق لصحيفة "شارلي إيبدو"، المعروف بمواقفه الصهيونية، تصاعد الأعمال المعادية للسامية في فرنسا بـ"الرعب الذي ينتشر كالنار في الهشيم (...) وحملة تطهير إثني خافتة".

وأثارت الأسماء التي وقعت البيان حفيظة المسلمين في فرنسا وكذلك اليسار وشخصيات يهودية أيضاً. واعتبر فال من خلاله أن الفرنسي اليهودي مهدد بالتعرض لاعتداء أكثر من الفرنسي المسلم بـ25 مرة.

ويستعرض البيان مختلف أنواع معاداة السامية، منها الراديكالية الإسلاموية، واليمين المتطرف، وجزء من اليسار الراديكالي، الذي "وجد في معاداة الصهيونية المبرر لتحويل جلّادي اليهود إلى ضحايا المجتمع".

ولعل أخطر ما يتضمنه هذا البيان هو دعوة الممثلين الدينيين المسلمين إلى "إبطال السور القرآنية"، التي يرون فيها "دعوة لقتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والملحدين".

وأخيرا يوجّه البيان التحية إلى "الأئمة الواعين (بعضهم وقّع على البيان) بأن معاداة السامية التي تأتي من مسلمين هي أكبرُ خطر يتهدد إسلام القرن الواحد والعشرين وعالَم السلام والحرية، التي اختاروا أن يعيشوا فيها. ويتأسف لأن هؤلاء الأئمة "موجودون تحت الحماية البوليسية، ما يدل على الرعب الذي يفرضه الإسلامويون على مسلمي فرنسا". 


ردود فعل غاضبة

وبادرت شخصيات دينية مسلمة في فرنسا بالرد على هذا البيان، الذي يتدخل مباشرة في صلب الشأن الديني، ويحاول ممارسة ابتزاز وضغوط على إسلام فرنسا. ومن بينها عبد الله زكري، عن مرصد الإسلاموفوبيا، الذي رأى في هذا البيان "نوعا من الجدل المثير للغثيان والكارثي".

في حين سخر إمام مسجد بوردو، الشيخ طارق أوبرو، ممن يرون في القرآن "دعوة للقتل"، وكذلك من نقص الثقافة الدينية لدى موقّعي البيان، ومن بينهم أئمة. وقال: "أعتقد أن الذين وقَّعوا على البيان قرأوا ترجمة للقرآن، وتفسيرا له".

وكان عمدة مسجد باريس الكبير، الشيخ دليل بوبكور، المعروف بمواقفه التصالحية، التي كثيرا ما أغاظت فئات عديدة من مسلمي فرنسا، وببعض علاقاته مع مسؤولين سياسيين ورجال دين يهود، من أوائل من تصدوا للبيان، الذي وقعته أكثر من 300 شخصية، مُعتبراً أنه "محاكمة غير عادلة وهذيانية". وحذّر من "دفع الطوائف في فرنسا للمجابهة في ما بينها"، مكرراً القول: "إن المواطنين الفرنسيين من أتباع الديانة الإسلامية في أغلبيتهم متعلقون بالقيم الجمهورية ولم ينتظروا هذا البيان، حتى يُدينوا ويحاربوا، منذ عقود، معاداة السامية والعنصرية المعادية للمسلمين، بكل أشكالها".

كما عبّرت شخصيات فكرية وسياسية فرنسية عن رفضها التوقيع على البيان، الذي اعتبرته ناقصا ولا يشير إلى مختلف أشكال العنصرية والتمييز في فرنسا، وهو موقف فيليب بوتو، مرشح الحزب الجديد المناهض للرأسمالية في الرئاسيات السابقة، وهو موقف كثير من ممثلي حركة "فرنسا غير الخاضعة".

ونشر المؤرخ الفرنسي، من أصول يهودية، دومينيك فيدال، مقالا بعنوان: "ضد معاداة السامية، بإصرار ودم بارد"، كتب فيه: "أتقاسم مع موقّعي البيان قناعة واحدة، وهي أن مكافحة معاداة السامية تشكل واجبا أخلاقيا وسياسيا كبيرا في مجتمع تقضمه مختلفُ أشكال العنصرية. ولكني لستُ متفقا، لا مع تحليل الظاهرة ولا مع مسار مكافحتها". وعاب "الغياب الكبير للصراع الإسرائيلي الفلسطيني" في البيان، واعتبره "جُبناً".

وأضاف: "إن الجرائم الإسرائيلية خلال الأسابيع الأخيرة ضد متظاهري غزة، والتي يبررها قسمٌ من الذين وقّعوا على البيان، تسببت، مثلا، في صعود معاداة سامية أكثر من كل الآيات القرآنية التي انتقدها البيان". وتابع أن "إحلال السلام في الشرق الأوسط لن يقضي، بمعجزة، على معاداة السامية، ولكنه سيساهم في ذلك بشكل حاسم"، خاتماً بأن "وضع تراتبية بين أنواع العنصرية هو السقوط في العنصرية. كما أن وضع تراتبية في الصراع ضد العنصرية، هو تخريب لهذا الصراع".


ونشر الباحث مروان محمد، مدير "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، مدونة، في موقع "ميديا بارت"، بعنوان "الإسلاموفوبيا لن تكون جوابا على معاداة السامية"، أوضح فيها انه "لا توجد معاداة سامية مسلمة"، و"لا إسلاموفوبيا يهودية"، وإنما سلوكيات وأفعال معادية للسامية من بين مرتكبيها مسلمون ويهود.

وذكّر مروان محمد بأن "النظام القضائي الفرنسي مرتكزٌ على مفهوم المسؤولية الفردية". واستعان بالفقرة التي يتضمنها الإعلان الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في 5 ديسمبر/كانون الأول 2015، والتي وقعت عليها فرنسا من بين 57 دولة، التي تقول: "الإرهاب والتطرف العنيف لا يمكن ولا يجب إشراكهما مع أيّ عِرق وإثنية وقومية ودين". ووصف بيان "لوباريزيان" بأنه "عنصري". وتابع: "العنصرية هي استخدام انتماء الآخر ولون بشرته وقوميته أو دينه من أجل الحكم عليه ووصمه ومحاصرته وتحميله وزرا أكبر من ثقل أفعاله وخياراته، وهو ما يفعله، دونما خجل، موقّعو النصّ".

وانتقد محمد وهو باحث فرنسي، من أصول مصرية، "تقديم السياسة الاستعمارية الإسرائيلية باعتبارها طليعة الكفاح ضد الجهادوية، في حين تتوسع المستوطنات باستمرار، ويقتل الجيش الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين من دون أدنى ضغط، كما هو حال غزة منذ أسابيع، في احتقار للقرارات الدولية وفي إفلات كلّي من العقاب". كما انتقد "تجريم الدعم للفلسطينيين في أوروبا، من خلال خلق غموض متعمَّد بين انتقاد الصهيونية وبين معاداة السامية".

وفي مقالة طويلة دان الصحافي والكاتب الفرنسي اليهودي، كلود أسكولوفيتش، صاحب كتاب "مواطنونا غير المحبوبين: هؤلاء المسلمون الذين لا تريدهم فرنسا"، ما رآه "منطقا هدّاما" في هذا البيان، من خلال "جعل الكفاح من أجل اليهود مكوّناً في الصراع الهوياتي الفرنسي، ولكن هذه الهوية تلغي الآخرين".


يبقى أن نشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تلقفت الأمر، ولا تزال، ومنحته صدى كبيراً، والكثيرون يستعرضون الأسماء الموقعة على البيان، ومن بينها "أئمة ومُفتُون عيّنوا أنفسهم بأنفسهم". كما أن الأغلبية الساحقة من مسلمي فرنسا تؤكد مبدأ المساواة أمام القانون، وأنه "لا يجب التحدث فقط عن الاعتداءات التي يتعرض لها اليهود، وتجاهل ما يعانيه المسلمون والسود والغجر وكل الأقليات المضطهدة".​