هذا ما يجري في سجون حفتر السرية

هذا ما يجري في سجون حفتر السرية

22 ابريل 2018
هل ثمّة سجن سري هنا؟ (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -


تكثر السجون السرية في ليبيا، تلك التي تحجب زنزاناتها ما يدور في داخلها عن أنظار العالم. وتختلف الجهات التي "تدير" تلك السجون، ومنها القوات التابعة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر. ولعلّ أبرز تلك السجون هو سجن قرنادة في منطقة شحات شرقيّ البلاد، والذي شبّه بعض الحقوقيين فضائحه التي نقلها الناجون منه بما حدث في سجن أبو غريب الشهير في العراق.

وسجن قرنادة ليس الوحيد قطعاً، فطارق وحيدة ينقل لـ"العربي الجديد" مشاهد من فظائع التعذيب التي عاشها في سجن آخر يقع في معسكر لقوات الصاعقة في مدينة بنغازي. عندما تسأل عن تهمته، يؤكد أنّها انتماؤه إلى التيار الصوفي وكونه سليل أحد أبرز رموزه في البلاد، بالإضافة إلى أنّه اضطلع بمهمة مقاومة التيار المدخلي السلفي المناهض للصوفية والذي أطلق يده حفتر ليتشفى من الصوفيين خصومه التقليديين القدماء، بالمطاردة والنفي والسجن والتعذيب بل والتصفية الجسدية كذلك.

ويخبر وحيدة: "لم أكن في سجن بل في قبر حقيقي. وأنا كنت قد اختُطفت من قبل ثلاثة مسلحين نقلوني إلى سجن يقع في معسكر في سوق الفحم في المدينة". كان ذلك خلال عام 2016، وقد قبع فيه لمدّة 28 يوماً. ويقول: "في ذلك العام اشتدت قبضة السلفيين وراحوا ينفّذون ما يريدون، وعداؤهم الأول المعروف هو للصوفية"، لافتاً إلى أنّ "زوايا التصوف عرفت تضييقاً كبيرا مع منع مريديها من ممارسة أورادهم والاحتفال بأعيادهم". ويتابع: "نحن نعرف التهم التي تصمنا بالمشركين والخارجين عن منهج أهل السنة والجماعة، ولدينا ما يفنّد تلك الادعاءات. لكنّ الفرق كبير اليوم، إذ إنّهم (السلفيين) يملكون السلاح والقوة ونحن في موقف ضعيف". ويكشف وحيدة عن "تصفية اثنَين من رموز التصوّف في بنغازي هما الشيخ رجب طلوبة والشيخ مفتاح البكوش، منذ ذلك الوقت ونحن نتعرّض إلى التضييق وفي مواجهة مع السلفيين". ويكمل: "وباعتباري ابن صوفي بارز بالإضافة إلى أنّني نشطت في مقاومتهم على صفحات التواصل الاجتماعي ونشر فضائحهم، ألقي القبض عليّ".




ويروي وحيدة أنّه "في أحد الأيام، عند المغيب، دخل مسلح عليّ في حين كنت أستعد لإقفال دكاني وطلب منّي أن أتبعه وأركب السيارة المتوقفة أمام الدكان. وبالفعل جرّني إلى تلك السيارة ذات الزجاج الحاجب للرؤية، وأرغمني على ركوبها. في المقعد الخلفي كنت بين مسلحَين، سرعان ما كبّلا يدَيّ بالأصفاد ووضعا كيساً على رأسي". يضيف: "لم أكن أرى شيئاً، لكنّ المدة التي قطعتها السيارة جعلتني أقدّر بأنّ وجهتنا كانت ذلك السجن الذي يُعرف باسم عنبر الأشباح. وقد تأكدت من ذلك في وقت لاحق". ويرجّح وحيدة أن "السجن كان مخصصاً لاعتقال ذوي التوجّه الصوفي. على أقل تقدير، كان ثلاثة غيري محتجزين في زنازين المكان، وقد سمعت تهماً توجَّه إليهم تشبه تلك التي وُجّهت إليّ. وثمّة آخرون حجبت أصواتهم عنّا، بسبب مكبّرات الصوت التي كانت تنقل بثّ إذاعة سلفية".

ويتابع وحيدة سرده: "أودعت غرفة صغيرة وتعرّضت للضرب المبرح منذ وصولي وحتى اليوم الثاني عشر من دون أن توجّه إليّ أيّ تهمة. والضرب كان مرعباً على شكل ركلات وبواسطة أنابيب بلاستيكية وعصيّ، في حين تعرّضت للتعنيف بشتائم وكلام مؤذ جداً". ويشير إلى أنّ ثلاثة أشخاص كانوا يتناوبون عليه، من بينهم شخص من الجنسية البنغالية. ويكمل وحيدة أنّه "في اليوم الثاني عشر، اقتادوني إلى مكتب وجدت فيه رجلاً ملتحياً وعلى رأسه غترة خليجية قدّم نفسه كوسيط، مدعياً أنّه جاء لإنقاذي وإخراجي من السجن. ودار حديث بيني وبينه ملخّصه أنّه يتوجّب عليّ ترك عقيدة الشرك الصوفية والنجاة بنفسي من خلال الاعتراف عن مكان وجود والدي، بالإضافة إلى كشف أسماء الذين ينشطون معي على صفحات التواصل الاجتماعي". ويؤكد وحيدة: "لقد أخبرتهم بكلّ ما أعرف، وبأنّ والدي هاجر قبل مدّة إلى مصر، وبأنّ نشاطي على صفحات التواصل لا يستدعي وجود أشخاص معي إذ إنّه بسيط، وبأنّ ما أكتبه معروف في الشارع".

وفي النصف الثاني من أيام الاعتقال، "خفّت حدّة التعذيب الجسدي" بحسب ما يقول وحيدة. يضيف: "لكنّه تحوّل إلى تعذيب من لون آخر. فقد كان يتناوب عليّ فريقان، الأوّل يدّعي أنّه مخلص لي ويدعوني إلى التعاون معه ويزوّدني بكتب ومناشير توضح العقيدة السلفية. ثم يجعلني أخضع إلى ما يشبه الاختبار، كأنّما هو مهتمّ جداً بتحولي إلى السلفية. كذلك، كانت ثمّة إذاعة سلفية لا تتوقف عن البثّ من خلال مكبرات صوت كبيرة وضعت في كل أرجاء المكان ليصل صوتها إلى كل الغرف". أمّا الفريق الثاني، فراح بحسب وحيدة "يهددني بتصفية أسرتي أو تصفيتي شخصياً من خلال توجيه فوهة مسدس صوب رأسي. كذلك كانت ممارسات أخرى، ففي إحدى المرّات وضعوا لي قطعة جبن على حفاضة طفل متّسخة وأجبروني على تناولها، في حين راحوا يقهقهون من حولي ويطلبون مني الاستغاثة بالأولياء لخلاصي".

ولا يخفي وحيدة أنّه تعرّض للتهديد بالاغتصاب، قائلاً إنّه "في إحدى المرات أدخلوا شخصاً متوحشاً إلى غرفتي الصغيرة مشيرين إلى أنّه سوف يبقى معي في الغرفة لأنّه راغب في ذلك. وبعد لحظات فتح أحدهم الباب وطرده مدعياً أنّه وسيط لخلاصي، فقط في حال تركت عقيدة الشرك وأخبرت عن مكان والدي وعن أسماء زملائي في النشاط على مواقع التواصل".




ويلفت وحيدة إلى أنّ "المحتجزين كانوا يعرفون جيداً أنّني كنت صادقاً في كل ما أدليت به، لكنّ إطالة مدّة احتجازي لديهم كان من شأنها أن تؤثّر بشكل كبير في الوسط الصوفي الذي أنتمي إليه. من المؤكد أنّ خبر اختطافي وصل إلى الجميع، وبالتالي فإنّ وجودي في ذلك القبر كان ترهيباً لغيري في الخارج. وبعد عشرين يوماً في الحجز، بدأت حدّة التعذيب تخف، لكنّهم في تلك الإثناء كانوا يطلبون منّي التوقيع على محضر أعترف فيه بأنّني عميل للاستخبارات الإيطالية". ويكمل وحيدة أنّ "أحد المتنفذين عند حفتر تدخّل لدى الأخير الذي أمر بإطلاق سراحي لمّا علم بأنّني ابن جار قديم له في أجدابيا، في حين أنّ سجاني السلفيين كانوا يريدون إقناع حفتر من خلال المحضر بأنّني معتقل لكوني عميل استخبارات. لكنّ الوساطة كانت أقوى وخرجت".

اليوم، وحيدة مهجّر من مدينته بنغازي، وما زال يعاني من بعض المضاعفات الصحية من جرّاء الفترة التي قضاها في "عنبر الأشباح" في سوق الفحم. ويشير إلى أنّه لم يكشف عن هويته كاملة، "لأنّ أسرتي ما زالت تقيم في مناطق سيطرة السلفيين المداخلة الذين طلبوا مني التعهد بعدم الحديث للإعلام". ويوضح أنّه قرّر الخروج عن صمته، "لأنّ التجربة كانت قاسية وأردت كشف حقيقة ما يجري في مدينتي".