أسرى قاوموا الاعتقال بالعلم

أسرى قاوموا الاعتقال بالعلم

17 ابريل 2018
الأسير المحرر أحمد الفليت (محمد الحجار)
+ الخط -
سنوات طويلة قضاها أسرى فلسطينيون في سجون الاحتلال. إلا أنهم رفضوا الاستسلام، وناضلوا حتى أصبحوا من حملة الشهادات

خلف النوافذ الحديدية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، قصص الأسرى الفلسطينيين المليئة بالصمود والإبداع. عدد كبير منهم واصل مسيرته التعليمية على الرغم من كل الإجراءات التعسفيّة وغير الإنسانية في حقهم. أفرج عن بعضهم بعد صفقة وفاء الأحرار في أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2011. إلا أن آخرين ما زالوا في السجون يواصلون رحلتهم التعليمية.
حُكِم على الأسير المحرّر أحمد الفليت (45 عاماً) بالسجن مدى الحياة في عام 1992، بعد تنفيذه عملية في مستوطنة كفار داروم المحررة في دير البلح، وقد قضى منها 20 عاماً. يصف هذه السنوات بـ "رحلة علم وثقافة" تحدى من خلالها سنوات السجن.

الفليت من مواليد مدينة دير البلح في عام 1973، وقد خرج ضمن صفقة وفاء الأحرار في عام 2011. أتقن اللغة العبرية والتحق في الجامعة العبرية حيث تابع الدراسات العليا في العلاقات الدولية، كما حصل على ماجستير في الإدارة العامة من جامعة العالم الأميركية في الضفة الغربية.

عاصر الفليت أشهر وأنجح الإضرابات التاريخية للأسرى لتلبية مطالبهم والالتحاق في الجامعات خلال فترة سجنهم، وتحقق هذا المطلب بتاريخ 27 سبتمبر/ أيلول في عام 1992، وأطلق على الإضراب "أم المعارك" على مدى 21 يوماً، وعدّ نقلة نوعية للحركة الأسيرة. وعلى خلفية هذا النجاح، استقال مدير مصلحة السجون جافي عامير.

الأسير المحرر رأفت حمدونة/مجتمع/17-4-2018 (محمد الحجار) 


قاطع الفليت شرط الاحتلال السماح للأسرى بالدراسة في الجامعات العبرية، على أمل الالتحاق في جامعة عربية. لكن في عام 1999، اضطر للاتحاق بالجامعة العبرية، وقضى سنواته الست في الاطلاع على الكتب العبرية وثقافة الإسرائيليين. وأكمل دراسة 108 نقاط وفق نظام الجامعات الإسرائيلية، التي تعادل 324 ساعة دراسية في الجامعات العربية، وحصل على معدل 96 في المائة. ويقول الفليت لـ "العربي الجديد" إن الجامعات العبرية، وللأسف، كانت تُصنّف كأفضل جامعات في العالم، والجامعة العبرية حصلت على المرتبة 11 عالمياً بحسب تصنيف شنغهاي للجامعات في العالم.

وتابع الفليت دراسة الماجستير بعد وساطة لدكتور من جامعة العالم الأميركية لقبول دراسة بعض الأسرى في الجامعة. وخلال ثلاث سنوات، حصل الفليت على شهادة ماجستير بمعدل 75 في المائة. بعد التحرّر، بدأ تعليم اللغة العبرية بشكل تطوعي على مدى أربع سنوات، ثم أسّس رابطة للأسرى والمحررين، بهدف إيصال قضية الأسرى إلى جهات عدة، وزيادة الوعي الشعبي حول قضايا الأسرى، والتركيز على تعلم لغة العدو لفهم ثقافته ومواجهته.

وفي أبريل/ نيسان في عام 2015، أسس أول مركز متخصص في دراسات الأسرى والشؤون الإسرائيلية، يحمل اسم "نفحة"، على اسم السجن الذي قضى فيه 15 عاماً. ويدرّس مادة الأسرى في السجون كمادة معتمدة من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ومادة الإعلام العبري، وشؤون إسرائيلية، ولغة عبرية، وإعداد مدربين في اللغة العبرية، وترجمة اللغة العبرية إلى العربية. ويضم طاقم المركز أسرى محررين تخرجوا من الجامعة العبرية، وباتوا ملمين في الثقافة العبرية.



أمّا الأسير المحرّر والمبعد عن قطاع غزة، محمود مصطفى المرداوي، والمتحدّر من قرية حبلة جنوب مدينة قلقيلية في الضفة الغربية، فقد اعتقل في عام 1992، وقضى 20 عاماً في سجون الاحتلال. ومنذ دخل السجن، ساعدته الحركة الأسيرة في خلق بيئة اجتماعية وتعليمية على الرغم من ألم السجن. ووجد أن الحركة الأسيرة تعمل على رفع المستوى الثقافي لكل أسير، وملء وقته بما هو مفيد. يضيف: "الاحتلال يحطم الأسير والحركة الأسيرة تبنيه".
ويقول لـ "العربي الجديد": "هناك استحقاقات وبرنامج للأسرى في السجون تشرف عليها الحركة الأسيرة. وهناك أسرى يتقنون عدداً كبيراً من لغات العالم، ويعلّمون الأسرى الجدد اللغات، إضافة إلى تخصصات أخرى علمية. لذلك، يُلاحظ كثيرون أن لدى خروج الأسير الفلسطيني من السجن، يكون مثقفاً وواعياً".

في عام 1995، بدأ المرداوي دراسة تاريخ الشرق الأوسط والعلاقات دولية. وفي العام نفسه، استطاع إتقان اللغة العبرية، وكان الأوّل على دفعته. وينوّه إلى أن غالبية الأسرى الذين تابعوا دراستهم كانوا من الأوائل، وكانت هذه بداية صدمة إدارة السجون الإسرائيلية. يضيف: "بدأت إدارة السجون تضغط للتراجع عن قرارها السماح لنا بالدراسة، وقدمت طلبات للقضاء، الذي رفض التراجع عن القرار نظراً لعدم وجود حجة أمنية قوية. لكن منع الأسرى من دراسة الاستراتيجية والحرب".

الأسير المحرّر محمود مصطفى المرداوي/مجتمع/17-4-2018 (محمد الحجار) 


قيدت إدارة سجون الاحتلال المرداوي خلال إتمام دراسة الماجستير، وبقي بحثه عن الديمقراطية عالقاً. ثم تواصل مع المشرفة الأكاديمية داخل الأراضي المحتلة لإتمام الدراسة عن بعد، ونال الشهادة.

حاضر المرداوي في عدد من المواضيع في جامعات عدة في قطاع غزة ومعاهد عسكرية، مثل "المجتمع الصهيوني"، و"دولة إسرائيل ونظامها السياسي"، و"الجيش الإسرائيلي"، و"قوى الأمن وأذرعه". وهو اليوم كاتب وباحث في الشأن الصهيوني.



أما الأسير المحرّر رأفت حمدونة (48 عاماً)، فقد قضى 15 عاماً في السجن، بعد ثأره لصديقه الذي استشهد في مخيم جباليا في عام 1990. وخلال وجوده في السجن، حصل على شهادة بكالوريوس في علم الاجتماع والعلوم الإنسانية من الجامعة المفتوحة في إسرائيل.
قبل انتهاء فترة الحبس بثلاثة أشهر، قرأ حمدونة في إحدى الصحف العبرية أن جامعة القدس أبو ديس ستفتتح فرعاً للدراسات العليا في قطاع غزة. حينها، قرّر متابعة الدراسات العليا. وبعد التحرّر، تخصص في الدراسات الإسرائيلية وتخرّج بدرجة امتياز في عام 2008. وأراد الحصول على شهادة الدكتوراه، وتمكن من ذلك في القاهرة، في معهد البحوث والدراسات العربية، وحصل على مرتبة الشرف على دراسته التي حملت عنوان "الجوانب الإبداعية في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة" في عام 2016.

في الوقت الحالي، يشغل حمدونة منصب مدير عام هيئة الأسرى والمحررين ومدير دائرة القانون الدولي فيها، ويدير مركز الأسرى للدراسات والأبحاث الإسرائيلية، إضافة إلى عمله كمدير للبرامج في إذاعة صوت الأسرى، وتقديمه عدداً من البرامج الإذاعية تهدف إلى الحديث عن أحوال الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. ويقول لـ "العربي الجديد": "حاضرت في عدد من الجامعات الغزية، ودربت في المعاهد في مجال الصحافة واللغة العبرية والإعلام الإسرائيلي، وتحقق حلمي بأن أصدرت مؤلفات عدة داخل الاعتقال، إضافة إلى مواصلة التعليم الأكاديمي الجامعي والعمل في مجال الدراسات الإسرائيلية والأسرى".