"صنداي تايمز" ترصد شهادات ناجين من مجزرة كيميائي دوما

"صنداي تايمز" ترصد شهادات ناجين من مجزرة كيميائي دوما

15 ابريل 2018
بعد مجزرة الكيميائي في دوما (تويتر)
+ الخط -
بين تأكيد ضحايا دوما الأحياء بالأدلة والصور ومقاطع الفيديو على قصف المدنيين بالغازات السامة وسقوط عشرات القتلى ومئات المصابين في المنازل والأقبية، وإصرار القوات الروسية على نفي ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، توثق وسائل إعلام غربية شهادات ناجين من مجزرة الكيميائي وتستعرض معهم وقائع ليلتهم لحظة بلحظة.


واستعرضت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم الأحد، شهادات لناجين من مجزرة الأسلحة الكيميائية في دوما ليل السبت 7 إبريل/نيسان الجاري، وتفاصيل القصف الوحشي بالغازات القاتلة، الذي جاء الرد عليه أمس بضربات جوية أميركية وبريطانية وفرنسية على أهداف سورية عدة.

التقت الصحيفة عائلة سورية نجت من القصف الكيميائي، ونشرت شهادات أفرادها اليوم الأحد. ونقلت عن والد الطفلتين التوأم ماسة وملاذ (7 سنوات) تأكيده أن رائحة الكلور لا تزال عالقة بالملابس، وعمد إلى إخراج ثياب الطفلتين من كيس بحوزته داخل الخيمة التي لجأوا إليها بعد خروجهم من دوما، وعرضها على المراسل حتى يشم رائحتها للتأكد. وقال بصوت هادئ: "قل لي، ما هذه الرائحة"؟

ووصف المراسل الرائحة بأنها تشبه رائحة الكلور الذي تفوح من حمام السباحة عادة. كانت رائحة كلور قديمة في ليل السبت الماضي عالقة على الملابس، عندما ضرب الهجوم الكيميائي الذي شنه نظام بشار الأسد على بلدة دوما قرب دمشق.

وتابعت الصحيفة أن نحو 3000 ناج من "القصف الكيميائي الوحشي" وصلوا إلى مخيم في شمال سورية، "يائسين يريدون إسماع قصتهم للملأ، وما زال كثيرون منهم مرضى تظهر عليهم أعراض الشحوب، هامدين وفاقدي النشاط، ويكحون، إضافة إلى افتقادهم جيراناً وأصدقاء ماتوا بالضربات السامة".

الطفلتان ووالداهما كانوا في أحد أقبية دوما مع نحو 75 شخصاً مختبئين من القصف. كانت الساعة السادسة والنصف ليل السبت 7 إبريل الجاري عندما سمعوا صوت انفجارين مختلفين تماماً عن أصوات ما سبقها. ووصفت الأم أماني (34 عاماً) تلك الليلة بالقول: "كانت القنابل قوية حقًا في تلك الليلة، وكان الغبار في كل مكان. لكن سمعنا صوت انفجارين، بعد هدوء توقفت فيه الانفجارات، صوتهما يشبه الهسيس. ثم تطوع شابان في الطابق السفلي للذهاب واستطلاع ما كان يحدث. بعد ثوان، عادوا يصرخون غاز... غاز، الجميع إلى الخارج".


وتابعت أماني "أمسكت ماسة وركضت نحو الدرج. وزوجي ضياء، يعاني من الضعف بسبب إصابته بمرض السكري، فلم يتمكن من حمل ملاذ. وحين صرت خارج القبو تساقطت علينا الأتربة البيضاء والغاز فسكبت الماء فوق رأس وعلى فم ماسا". وأضافت: "كان الغاز لاذعا، شعرت بطعمه في حلقي مثل الفلفل الحار. صرت أتقيأ وأصبت بالسعال. رأيت الناس من حولي غير قادرين على التنفس، وبعضهم يسقط على الأرض".

وأكدت أماني للصحيفة أنها انهارت، وفقدت الوعي لفترة قصيرة. وأن ماسة كانت ممددة إلى جانبها، والرغوة البيضاء على جوانب فمها. وتقول: "عندما كنت أصعد الدرج لأخرج من القبو شعرت أنني فقدت قوتي. لم أستطع السيطرة على جسدي. كنت اهتز وأرتجف طوال الوقت. لم يكن هناك أوكسجين".



واستكملت أماني شهادتها بالقول "مع خروجنا كان المبنى يتعرض لجولة جديدة من القصف بالبراميل المتفجرة. زوجي وابنتي الثانية ملاذ لا يمكنني رؤيتهما. وجدتهما في الطابق الثاني، منهارين بعد استنشاقهما الغاز، لكنهما لم يفقدا الوعي. كان المكان مظلماً، والغبار والغاز يختلطان ويشكلان معاً أتربة بيضاء خانقة. كانت القنابل لا تزال تتساقط في الخارج، المبنى يهتز. وحالة من الذعر تدفع الناس نحو الشارع رغم تساقط القنابل".

وعن الأوضاع خارج القبو قالت: "كان الجيران هائمين، بعضهم يبكي على أقارب، ويتشنج ويسقط على الأرض ورغوة بيضاء تعلو شفاههم. آخرون كانوا يسكبون الماء على من بقي واعياً. كان الماء هو الشيء الوحيد الذي بدا لنا أنه يساعد".

وأوضحت أماني أنها تنبهت بعد حين إلى أنه عليها الاتصال بجيران لها في قبو آخر، كي تنبههم من خطر الغاز. وتضيف باكية "بالنسبة لكثيرين كان الأوان قد فات. هناك ثلاثة أقبية في شارعنا، أحدها في طابق سفلي مجاور لم يعلموا بقصف الغاز. ماتوا جميعهم".

القبو الذي كانت تختبئ فيه أماني وعائلتها سقط فيه ثلاثة قتلى لم تقوَ أجسامهم على التحمل، وتعتبر أن الحظ حالفهم لأنهم تلقوا التحذير وخرجوا قبل فوات الأوان. والسوريون يعرفون ما الذي يفعله الغاز، ويذكرون الهجوم على الغوطة في عام 2013، الذي أدى بحسب الأمم المتحدة إلى مقتل 1400 شخص على الأقل بصواريخ تحتوي على غاز الأعصاب السارين.


عندما وصلت أماني وأفراد عائلتها إلى العيادة، كانت تشعر بالاختناق والإعياء، قالت للصحيفة. ووصفت المكان أنه كان "غارقاً بالموت". وتابعت "وضعوا أكثر المتضررين على أجهزة التنفس، ورشوا معظم الناس بالماء فقط علّها تساعدهم. وأعطوا ماسة وملاذ الحقن لأنهما كانتا تتنفسان بصعوبة شديدة".

وقال أحد الناجين للصحيفة ويدعى إبراهيم (50 عاماً) الذين وصلوا إلى العيادة "رأيت طبيبة تبكي لأن لديها 40 مريضاً يحتاجون إلى أدوية، وكان لديها دواء لثلاثة أطفال فقط".

وأكدت "صاندي تايمز" أن جميع الناجين من دوما الذين قابلتهم ذكروا نفس الأعراض التي انتابتهم، والتي استمرت في بعض الحالات عدة أيام: وهي الشعور بفقدان السيطرة في أطرافهم، والرغوة البيضاء في الفم، والسعال، والتقيؤ، والصداع الشديد. ونقلت عن متخصصين طبيين أن هذه الأعراض تتوافق مع التعرض لغاز الأعصاب. ويُعتقد أن قنابل الغاز أصابت موقعين منفصلين على الأقل في دوما، وهي إحدى ضواحي مدينة الغوطة الشرقية في دمشق، والتي كانت محاصرة منذ أربع سنوات ونصف السنة.

ووصف ثلاثة من الشهود، قابلتهم الصحيفة، قرب ساحة الشهداء حيث كانت تعيش عائلة أماني، أن غازًا أصفر له رائحة كلور قوية يتسرب إلى الأسفل قبل أن يتبدد على شكل ضباب دخاني أبيض يمتزج بالغبار. وتحدثوا عن حرقان حاد في الحلق وفقدان السيطرة على أجسادهم بعد استنشاق الغاز المذكور.

ونقلت "صانداي تايمز" عن الضابط السابق بالجيش البريطاني، هاميش دي بريتون غوردون، الخبير في الأسلحة الكيميائية ومستشار للمنظمات غير الحكومية في سورية: "أن ما يصفونه هو الكلور وما نعتقد أنه مزيج من غاز أعصاب وكلور".

يشار إلى أن قصف المدنيين بغاز الأعصاب والكلور محظور بموجب القانون الدولي.


وأدرجت الصحيفة شهادة إبراهيم ريحاني، أحد المتطوعين في الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، الذي تعرض لهجوم السارين عام 2013 في الغوطة. 

وقال: "لم أستطع الاقتراب، لم أستطع مساعدة أي شخص لأن الغاز كان قوياً للغاية". مضيفا "كان تأثير الغاز مثل السارين، مختلط مع الكلور. كان مشابها لهجوم 2013. الكلور وحده إذا شممته يمكنك الهرب. لكن السارين تتنفسه فيقتلك".



بحلول صباح اليوم التالي للهجوم الكيميائي، انحسر الغاز، ارتدى هو وفريقه الأقنعة ودخلوا إلى الأقبية في الطوابق السفلية. وأكد أنها كانت مكتظة بالناس الذين كانوا يختبئون من القنابل. كلهم ماتوا، أطفال، نساء ورجال، مكدسون على الأرض، أمواتاً والرغوة على أفواههم". وقال ريحاني: "كثيرون ماتوا على الدرج المؤدي من القبو إلى الخارج، ولو كان القصف بالكلور، لتمكنوا من الهرب. لكنهم ماتوا بعد خطوات قليلة".

أماني تبكي على من فقدتهم من أصدقاء وجيران، وتقول إن الحرب حولتهم إلى أرقام لكنهم في الحقيقة عائلات من المدنيين.

(العربي الجديد)