الصحراء توحد المغاربة الغاضبين

الصحراء توحد المغاربة الغاضبين

12 ابريل 2018
توحّد خلف العلم بالرغم من كلّ الأزمات(فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
يشهد المغرب غضباً شعبياً كبيراً بسبب تحدي جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء المغربية وإعلانها الاستعداد للحرب. لكنّ الغضب يترافق مع حماسة لدى الشبان لخوض معركة الدفاع عن التراب

مشاعر ممزوجة بين الحماسة والغضب تضطرم في صدور العديد من المغاربة حيال الأوضاع المستجدة في الصحراء المغربية، بعد رواج الحديث عن تلويح بالحرب من طرف المملكة، لوضع حدّ للتحركات التي تقوم بها جبهة البوليساريو في المناطق العازلة بالصحراء، وهو ما ردت عليه الأخيرة برفع التحدي إلى مستوى خوض الحرب.

منذ الرد الحازم الذي أعلنه المغرب حيال الأوضاع المضطربة في الصحراء، يشتعل حديث الحرب ومدى إمكانية اندلاعها في تلك المنطقة، بين المواطنين. تكفي جولة قصيرة في المقاهي والمجالس والمنتديات والمساحات العامة للاستماع إلى كلّ ذلك. ولا يغيب تنظيم الندوات وعقد الاجتماعات المختلفة عن هذه الأجواء التي تظهر مدى اهتمام ملايين المغاربة بما يقع في الصحراء.

في مقهى "ديليسيا" بمدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، يدور حديث طوال ساعة كاملة بين ثلاثة أشخاص ممن اعتادوا الجلوس في هذا المقهى، حول احتمالات اندلاع حرب في الصحراء بين جيش المملكة وقوات جبهة البوليساريو. يقول عبد الله، وهو أحد الرواد الثلاثة، لـ"العربي الجديد" إنّه وصديقيه جاءوا في البداية إلى المقهى من أجل مشاهدة مباراة في كرة القدم في الدوري الإنكليزي الممتاز، لكنّ الأزمة المستجدة في الصحراء بدّلت مشاهدة المباراة إلى سجال حول احتمالات الحرب. يتابع أنّ معظم نقاشات زبائن المقهى تدور حول حرب محتملة في الصحراء المغربية، وتداعياتها على المجتمع المغربي، وكيف سيواجه المواطنون هذه المعركة العسكرية، خصوصاً أنّ الحروب توقفت في الصحراء منذ عام 1991 باتفاق الأمم المتحدة. يعتبر أنّ غالبية من تجاذب معهم أطراف الحديث متحمسون للغاية وجاهزون كي يكونوا جزءاً من حرب المغرب ضد "خصوم الوحدة الترابية للمملكة".




في مكان آخر، داخل حافلة نقل عمومي، يدور الحديث بين سفيان المصفر، وهو طالب جامعي، وعدد من زملائه حول موضوع الساعة، وهو الحرب في الصحراء. يُجمعون على أنّ الحماسة تغمرهم للمشاركة في المعارك لو تطلّب الأمر ذلك، من خلال التجنيد العسكري إذا ما أقرّ مجدداً في البلاد. يتابع أنّه مستعد لترك دراسته الجامعية إلى حين، و"الذهاب إلى الصحراء للدفاع عن حياض الوطن" وفق تعبيره. يضيف أنّ المغاربة "مستعدون لدفع الغالي والنفيس لحماية صحرائهم وترابهم من أيّ عدوان، وأنهم ما فتئوا يعبّرون عن حبهم لهذه المنطقة من البلاد".

من جهته، يقول وديع، وهو من حركة الشباب الملكي (حركة مدنية موالية للملك محمد السادس) لـ"العربي الجديد" إنّ "الصحراء تجمع الشعب المغربي أكثر مما تفرقه، ومنذ اندلاع مشكلة الصحراء في سبعينيات القرن الماضي، وملايين المواطنين عاهدوا أنفسهم على نصرة سكان الصحراء والوقوف إلى جانبهم في السراء والضراء، باعتبار أنّ هذه المنطقة جزء لا يتجزأ من أرض الوطن، فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها". يضيف أنّ هناك عوامل تاريخية عميقة تفسر اهتمام المغاربة بالوضع في الصحراء، واجتماعهم وتوحدهم حول هذه القضية بالتحديد بالرغم من الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والجغرافية الحاصلة بين أكثر من 34 مليون نسمة "عندما ينادي الوطن بالوحدة ونصرة جزء منه تذوب كلّ تلك الاختلافات".

الرغبة والحماسة نفسهما تبديها أحزاب سياسية ونقابات عمالية ورجال أعمال وهيئات مدنية من مختلف التوجهات. يعتبر هؤلاء أنفسهم معنيين بالدفاع عن الصحراء، فيما ينادي كثيرون بإرساء ما يطلقون عليه تسمية "جبهة وطنية موحدة للدفاع الحقيقي والمستمر بشتى الوسائل والآليات من أجل نصرة القضية الوطنية".

يعلق الباحث المغربي، الدكتور إدريس الكنبوري، لـ"العربي الجديد"، حول تضافر مواقف المغاربة، بأنّ هناك أسباباً كثيرة وراء توحيد الرؤية تجاه قضية الصحراء. يقول: "السبب الأول أنّ المغاربة بالنظر إلى عدم وجود طوائف ومذاهب دينية وقومية نشأوا في إطار فكرة الوحدة الوطنية التي عملت على تربية هذا الشعور لديهم بالرغم من الاختلافات السياسية. الثاني، أنّ المغاربة فتحوا أعينهم منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي على قضية الصحراء، واليوم هناك جيل ثالث يشعر بأنّه يدفع من حياته اليومية كلفة هذا النزاع الذي يدركون أنّه يستنزف خيرات البلاد ويؤخر تأمين مستقبلهم".




يضيف الكنبوري أنّ "هذا الشعور ازداد في أعقاب رواج أحاديث في السنوات الأخيرة عن وجود إمكانات وثروات كبيرة في الصحراء، ولذلك يشعر أبناء اليوم بأنّ النزاع مفتعل من أجل ترك المغرب في وضعية معلقة منذ نحو نصف قرن، ويشعرون بأنّهم تعبوا من دفع الثمن الذي دفعه آباؤهم من قبل". يستدرك أنّ "هذا الغضب لدى ملايين المغاربة هو في الوقت عينه غضب من السياسة المتبعة في قضية الصحراء المغربية. هم يريدون حسم الأمر والخروج من النفق الذي تمدد منذ السبعينيات إلى يومنا هذا، مروراً بدخول منظمة الأمم المتحدة على الخط عام 1991 بوقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو".