بحثاً عن المكتبة العامة

بحثاً عن المكتبة العامة

01 ابريل 2018
لم يأت هواة القراءة بعد (فليكر)
+ الخط -
تهيمن هذه الأيام الميديا (وسائل الإعلام) والشركات والقطاع الخاص النفعي والخدماتي على الفضاء العام للمنطقة العربية، وهو ما يمثل معضلة كبرى تستنزف أوقات المواطنين ومقدراتهم وقدراتهم على صياغة ما يستطيعون تحقيقه من طموحات.

وقد بات الحصول على المقومات الشكلية في الثورة المعلوماتية والتكنولوجية هاجساً عاماً وتعبيراً عن الحداثة السطحية، علماً أنّ القاصي والداني يعرف أنّ الميديا تعمل على إنتاج برامج ترفيهية يمكن وصف معظمها، ومن دون مبالغة، بأنّها تافهة، كما أنّ الشركات تعمل على زيادة وتائر وكميات الاستهلاك المَرَضي، وليس على تحفيز الإنتاج الإبداعي. ولعلّ اندفاع المواطنين، حتى الأكثر فقراً منهم، نحو اقتناء الأجهزة والصحون اللاقطة والخليوية، ولو كان ثمنها بمئات الدولارات، يمثل خضوعاً لسطوة هذه الميديا وسرعة وتوسّع تأثيرها العام.

إذاً، لدى أيّ مقاربة للمكتبات العامة نحن مجبرون على الدخول من مداخل متعددة، يأتي في مقدمها حالة التفكك السياسي والمجتمعي، معبراً عن نفسه بالنزاعات المندلعة والحروب الأهلية وغير الأهلية في طول البلاد العربية وعرضها، بما فيها تلك التي ما زالت بعيدة عن أشكالها العنيفة، وإن كانت آثار شظاياها تصل إليها وتخترقها حتى العظم.

من دون غوص في كلّ ذلك، نعود إلى موضوعنا بحثاً عن المكتبة العامة. فالواقع أنّ المكتبات أساساً وفي الأصل على أنواع، أبرزها من دون منازع المكتبات العامة، أو ما يسمى المكتبات الوطنية، وكذلك هناك مكتبات الجامعات والمدارس ومكتبات الأفراد.



المكتبة العامة تتلقى كلّ منتجات الفكر التي تصدر في الدولة وتحتفظ بنسخة أو أكثر منها، سواء أكانت على شكل مطبوعات (كتب، مجلات، جرائد، نشرات خاصة) أو على أشكال حديثة (أسطوانات، أشرطة تسجيل، أقراص مدمجة). وعليه، تصبح المكتبة العامة أو الوطنية تعريفاً هي مكان تُجمع فيه جميع الإصدارات على اختلاف موضوعاتها، وتنظمها على نحو يتيح لطلاب المعرفة استعمالها بسهولة. وغالباً ما تضم مثل هذه المكتبة وثائق تاريخية ومخطوطات ووثائق رسمية أو أهلية. كذلك، تحصل هذه المكتبة على ما يصدر في الخارج وتوثقه في أقسامها. وقد لا تقتصر مرجعية مثل هذه المكتبة على الدولة من خلال وزارات الثقافة كجهة مسؤولة عن تأمين حاجاتها، إذ يحدث أن تكون هناك مكتبات عامة يؤسسها أفراد أو هيئات أو جامعات، وهي متاحة لجمهور المستفيدين ضمن شروط وأنظمة معينة. لكنّ المكتبة العامة تمتاز عن غيرها بأنّها شاملة، بمعنى أنّها تضم شتى أنواع العلوم والمعارف من مصادر ومراجع مهما كان نوعها. وتحرص مثل هذه المكتبات دوماً على زيادة عدد ونوع مجموعاتها بهدف استقطاب المزيد من القراء. كذلك، يمكن أن تكون مركزاً للأنشطة الثقافية كالعروض المسرحية والسينمائية والموسيقية وللندوات ومعارض اللوحات التشكيلية والمنحوتات وغيرها. عندها تصبح عبارة عن مجمّع ثقافي.

أما مكتبات الجامعات فهي مخصصة للطلاب والأساتذة أصلاً، لكنّ الباحثين غيرهم يقصدونها ويفيدون منها مقابل بدل، أو من دونه. لكنّ أولويتها هي للطلاب والأساتذة. وقد يكون لدى الجامعة مكتبة عامة واسعة ومكتبة في كلّ كلية تبعاً للاختصاص (طب، هندسة، زراعة، آداب، علوم، تربية...).

وتبقى مكتبات الأفراد وهي منتشرة لدى بعض الفئات، ويطرح مصيرها لدى وفاة مؤسسها، إذ ما كان يهم الراحل قد لا يكون للورثة علاقة به.

(باحث وأستاذ جامعي)

المساهمون