زراعة كاليفورنيا... محاصيل ملوّثة بالنفط والمواد الكيميائية

زراعة كاليفورنيا... محاصيل ملوّثة بالنفط والمواد الكيميائية

29 مارس 2018
بأيّ مياه تُروى كروم كاليفورنيا هذه؟ (جاستن سوليفان/ Getty)
+ الخط -

فستق ولوز وتفاح وبرتقال وجزر وعصير رمان وعصير عنب ونبيذ... بعض من المنتجات الزراعية لولاية كاليفورنيا الأميركية التي تُعرَض على رفوف متاجر الولايات المتحدة وتُسقى بمياه عادمة تحوي مخلفات نفط ومواد كيميائية. وكاليفورنيا هي أكبر منتج للغذاء ومصدر للمنتجات الزراعية بالنسبة إلى الولايات الأميركية الأخرى. والريّ بمثل تلك المياه أمر يلجأ إليه عدد من الشركات الكبرى المنتجة للأغذية. وبحسب ما يشير مراقبون، فإنّ الأمر قد يطاول بعضاً من المنتجات الزراعية العضوية التي يُفترض أن تكون صحية ولم تُستخدم في إنتاجها أيّ مواد كيميائية أو أسمدة أو غيرها من مواد سامة أو مسرطنة.

كيف يمكن حدوث ذلك في بلد كالولايات المتحدة يضمن الرقابة على المنتجات الغذائية بأنواعها؟ وبهدف لفت الانتباه إلى مخاطر هذا الموضوع، أطلقت أخيراً منظمة "فود أند ووتر ووتش" التي تُعنى بمراقبة الغذاء والمياه في الولايات المتحدة، حملة توعية، موضحة أنّ شركات كبرى في البلاد تستخدم مياه حقول النفط ومصافيه التي تحتوي على مواد كيميائية وتخلطها بالمياه العذبة. وخلال محاضرات ومقابلات إعلامية أخيرة، أعلنت مديرة المؤسسة، وينونا هاوتر، أنّه "بعد دراسات عدّة توصّلنا إلى أنّ مياه النفط السامة تستخدم في ري محاصيل زراعية في أربع مناطق في كاليفورنيا".

محصوله قد يكون ملوّثاً (ساندي هوفاكر/ فرانس برس)

يُذكر أنّ المنظمة أعدّت فيديو لدعم حملتها والضغط على السياسيين في كاليفورنيا خصوصاً، والولايات المتحدة عموماً، بهدف وضع قواعد أكثر صرامة لفحص المياه ومراقبتها. وتسمّي المنظمة شركات النفط الكبرى التي تقوم بعمليات حفر وتنقيب واستخراج للنفط والغاز الطبيعي في كاليفورنيا ومناطق أخرى من الولايات المتحدة، بطرق إشكالية تُعرف بالتصديع المائي، أو التكسير الهيدروليكي. وهذه التقنيات المتبعة في استخراج النفط والغاز تؤدّي إلى إنتاج مليارات ليترات المياه الملوّثة بالمواد الكيميائية سنوياً.

وتعدّ هذه التقنيات التي تستخدم كذلك في الشرق الأوسط، إشكالية لجهة تبعاتها على البيئة، إذ يُصار إلى استخراج الغاز الطبيعي والنفط من أعماق الأرض ومن طبقات يصعب الوصول إليها بالطرق التقليدية. ومن ضمن الوسائل المتبعة في هذا النوع من التنقيب، بحسب مبادرة "إيكو مينا" لتشجيع استخدام الطاقة النظيفة والحفاظ على البيئة في الشرق الأوسط، ما يعتمد على "ضخ سوائل غنية بالماء حتى يؤدّي ضغط السائل في عمق معين من التربة إلى كسر الصخور وتشققها. وتحتوي تلك السوائل على جزيئات صغيرة مثل الرمال الغنية بالكوارتز أو مواد كيميائية خاصة لإحداث الشقوق والكسور في طبقات التربة غير المسامية". وهذه الطرق المستخدمة لاستخراج النفط والغاز الصخري تثير جدالاً واسعاً بين أهل الاختصاص، ويحذّر معظم علماء البيئة من استخدامها لأسباب عدّة، من بينها تسببها في تلوّث المياه الجوفية والهواء والبيئة عموماً. كذلك تشير دراسات عدّة إلى أنّها تزيد من نسبة النشاطات الزلزالية في المنطقة حيث تُستخدم.

ويعود التعاون بين شركات النفط في كاليفورنيا وشركات الإنتاج الغذائي ومعامل تكرير المياه، بفوائد مادية على تلك الشركات، وذلك على حساب المستهلك وصحته. وتتلخص المعادلة بأنّ شركات النفط التي تبيع المياه العادمة لشركات المياه وبدورها للشركات الزراعية، يمكنها، وبطرق رخيصة، التخلص من تلك المياه عن طريق بيعها للريّ. وتواجه شركات النفط كذلك تحديات لإيجاد أماكن إضافية لتخزين مليارات الليترات من المياه الملوثة والتخلص منها.

قطاف مفخّخ في أحد وديان كاليفورنيا (جورج روز/ Getty)

وبحسب أرقام رسمية لولاية كاليفورنيا، فإنّ شركات النفط تبيع سنوياً نحو‪16 ‬ مليار غالون (أكثر من 60 مليار متر) من المياه العادمة للقطاع الزراعي في أربع مناطق من كاليفورنيا. وعلى الرغم من أنّ تلك المياه تمرّ قبل خلطها بمياه عادية، بعمليات تكرير، فإنّ تلك العمليات تقتصر على الأسس فقط، وهي غير كافية، بحسب المؤسسة والمدافعين عن البيئة. إلى ذلك، فإنّ الشركات المنتجة للمواد الزراعية في كاليفورنيا تواجه تحديات عدّة، في ما يخصّ مصادر المياه بسبب مواسم الجفاف المستمرة التي تضرب الولاية والتغيّر المناخي. وهذه النوعية من المياه تمكّن المعنيين من ريّ المحاصيل بتكاليف أرخص تجني من خلالها أرباحاً أكبر، من دون الالتفات إلى المخاطر المحتملة، لا على حياة المستهلكين فحسب، بل كذلك على العاملين في القطاع الزراعي وسكان تلك المناطق.

ويشير تقرير لمنظمة "فود أند ووتر ووتش" إلى أنّ فحوصات أجريت على عيّنات من المياه العادمة الناتجة عن شركات النفط، أثبتت أنّها تحتوي على مواد كيميائية قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان. وتقول هاوتر إنّ منظمتها لاحظت تلك المشكلة بعد فحوصات مخبرية على المياه العادمة في المنطقة، أعدتها مؤسسة أخرى تُعنى بالحفاظ على المياه في عام ‪2015‬. وقد بيّنت تلك الاختبارات أنّ المياه تحتوي على نسبة عالية من المواد الكيميائية والملوثة، وأنّ التكرير العادي أو الأساسي لا يكفي. وتلفت كذلك إلى نقطة مهمة هي أنّ الاستمرار في السماح باستخدام هذه المياه للريّ الزراعي ممكن، إذ لا تتوفّر قوانين واضحة تمنع ذلك. وتتابع هاوتر أنّ "أموراً عدّة تؤدّي كذلك دورها، ومن ضمنها لوبيات تلك الشركات في واشنطن وكاليفورنيا التي تموّل بطريقة غير مباشرة الحملات الانتخابية لعدد لا بأس به من السياسيين".


وبخصوص الفحوصات المخبرية التي من المفترض أن تجريها السلطات المسؤولة، فتؤكد هاوتر أنّ في الأمر مشكلة، إذ يُصار إلى التأكد من وجود أو عدم وجود مواد كيميائية معينة على قائمة السلطات التي لا تتلاءم مع التطور الصناعي والتكنولوجي والخلطات المستخدمة. وتشير إلى أنّ ثمّة قوانين يجري الالتفاف عليها عن طريق الممارسات التي لا تأخذ بعين الاعتبار الدقة اللازمة والاستمرارية. وتعطي هاوتر مثالاً على ذلك، حين تستخدم إدارات مناطق المياه مختبرات خارجية للفحص، وفي فترات معينة وليس دورياً. وتشير إلى أنّ تلك الشركات تمكّنت من الالتفاف على القوانين من دون أن تقدّم لائحة كاملة بالمواد المستخدمة تحت ذريعة "سرية المنتج". يُذكر أنّ ثمانين في المائة من المواد الكيميائية المستخدمة والتي نجدها في مياه الريّ في كاليفورنيا، لا يُصار إلى الكشف عنها. من الناحية النظرية، من المفترض أن تفصح الشركات التي تستخدم مواد كيميائية أو تنتجها عن تلك المواد. ولأنّ المنظمات المستقلة لا تستطيع الحصول على معلومات حولها، يأتي هنا دور الحكومة والسلطات الرسمية.

أمّا الزراعات العضوية وكيف تُستخدَم تلك المياه في ريّها، فإنّ ذلك يعود إلى فترة وضع القواعد وشروط منح التراخيص للمحاصيل العضوية التي لم تشمل نوعية مياه الريّ. ففي ذلك الحين، لم تكن تلك الطريقة مستخدمة أو معروفة. إلى ذلك، يعود جزء من المشكلة إلى نوعية الزراعات التي لا تأتي دائماً ملائمة للبيئة، فتحتاج بعض المحاصيل مثلاً إلى كميات كبيرة من المياه، من دون أن تكون المياه متوفّرة بالحجم المطلوب. وتأتي التغيّرات المناخية والجفاف لتزيد من تلك التحديات.