القصور الأموية جنوب الأقصى...هل تتحول لساحة قرابين الفصح اليهودي؟

القصور الأموية جنوب الأقصى: هل تتحول لساحة قرابين الفصح اليهودي؟

27 مارس 2018
منصات شيدها مستوطنون بمحاذاة المسجد الأقصى (العربي الجديد)
+ الخط -


المشهد في منطقة القصور الأموية جنوب المسجد الأقصى يعكس فداحة ما أنتجته وأفضت إليه حفريات الاحتلال الإسرائيلي في هذا المكان، الذي كان ذات يوم يزدحم بقصور بني أمية قبل أن يفككها الاحتلال، ويحولها إلى أثر بعد عين.

لم تسلم حجارة هذه القصور من السرقة، نقل بعضها إلى باحة الكنيست، وبعضها الآخر إلى ما يسمى بـ"متحف إسرائيل"، في حين حفظت حجارة منها لاستخدامها لاحقا في بناء هيكلهم المزعوم بعد أن يزيلوا المسجد الأقصى عن الوجود، كما يحلم بذلك من يطلقون على أنفسهم "أمناء جبل الهيكل" وحاخامات من جمعيات استيطانية موغلة في التطرف، أمثال "شوفوبنيم" "عطيرات كهانيم" و"العاد"، وهي جمعيات تنشط في أكثر من 150 بؤرة استيطانية تقع داخل عقارات تعود لمقدسيين تم الاستيلاء عليها أو سرّبت لهم.

في الجولة التي قام بها "العربي الجديد"، في محيط المسجد الأقصى من ناحيته الجنوبية حيث ساحة القصور الأموية، وباحة البراق إلى الغرب من المسجد، بدا المكان كأن التاريخ نبش من باطنه، وتحول إلى مجرد حطام وركام.

الحفريات مستمرة، وتظهر في المكان أبنية وسراديب وأنفاق من عهود قديمة في باطن الأرض تلتصق تماما بسور المسجد الأقصى، وتتوغل في أسفله عميقاً من الناحيتين الغربية والجنوبية، لتصل إلى بلدة سلوان، التي كانت على مدى عصور امتداداً جغرافيا للبلدة القديمة، حيث تتلاصق الأبنية، وتذهب بك عبر تاريخ المدينة السالف إلى "عين سلوان" الأثرية التي سيطرت عليها جماعات التطرف اليهودية.

وباتت تلك المنطقة جاذبة للسياح الأجانب، يرتادونها بتذاكر يذهب ريعها للجمعيات الاستيطانية خصوصاً "ألعاد" التي عهدت إليها حكومة الاحتلال بإدارة منطقة واسعة حول البلدة القديمة، يطلقون عليها الحوض المقدس، وتتشارك معها في الإدارة سلطة الآثار الإسرائيلية، وذلك من خلال ما يسمى مركز الزوار في "مدينة داود" كما يسمونها.

اليهود المتطرفون يغيرون المعالم الأثرية ويشوهون التاريخ في القدس المحتلة(العربي الجديد)  



من داخل المعاهد التلمودية في محيط الأقصى، ومن مركز الزوار التابع لجمعية "ألعاد" انطلقت دعوات جماعات التطرف اليهودية لتقديم "قرابين" الفصح العبري في منطقة القصور الأموية الاثنين المقبل، وهي طقوس تقام للمرة الأولى في هذه المنطقة الحيوية. وأبدى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو دعمه لها، وإن كان لم يعط بعد الضوء الأخضر بتنظيمها فعلا في تلك المنطقة رغم رصد تحضيرات واستعدادات، وبناء منصات للاحتفال بتلك الطقوس التي تثير غضب المقدسيين.

وأوضح مدير أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب لـ "العربي الجديد"، أنه وجه تحذيراً شديداً لضباط شرطة الاحتلال من مغبة تنظيم الاحتفال في منطقة القصور الأموية، باعتبارها سابقة لن تسمح بها إدارة ومجلس الأوقاف والهيئة الإسلامية العليا. وأشار الخطيب إلى أن ما أبلغ به حتى كتابة هذه السطور، هو أن شرطة الاحتلال لم تعط موافقتها على إقامة تلك الطقوس، ولن تعطيها بالنظر إلى التداعيات المحتملة لمثل تلك الاحتفالات.

وما يجري على الأرض وفي بطنها يشير إلى أن جماعات التطرف اليهودية ماضية في استعداداتها بهذا الخصوص، ودشنت على مدى اليومين الماضيين حملة إعلامية وحملة علاقات عامة داخل دولة الاحتلال وفي جميع المستوطنات، للمشاركة في حدث تاريخي يقربهم من تحقيق أهدافهم بالسيطرة لاحقا على المسجد الأقصى، و"إزالة آثار الغرباء" منهم كما تصف بعض الدعوات والتعليقات التي توزع بكثافة.

الحفريات الإسرائيلية تتوغل عميقاً تحت القصور الأموية والمسجد الأقصى(العربي الجديد)


ووفقا لما تشير إليه تلك الدعوات، فإن الحديث يدور عن إقامة مهرجان يشارك فيه كبار الحاخامات، ومطربون، وتتولى قنوات فضائية تغطية الحدث. وبالتزامن مع ذلك، تستمر على مدار الساعة أعمال إنشاءات، بعضها يقع أسفل تلة المغاربة الملاصقة للقصور الأموية، وعلى أنقاض ما بقي من حجارة تلك القصور، في حين تحولت شاشة العرض الإسمنتية الضخمة المقامة في المنطقة إلى خلية نحل تعج بنشطاء من اليمين وبتجهيزات العرض مثل "نصل المذبح"، وأدوات الطبخ، حيث سيقام تدريب للمشاركين في تلك العروض على كيفية تقديم القرابين داخل الهيكل، بإشراف ما يسمى ب"معهد الهيكل".

ويتزامن مع انشغال المتطرفين اليهود بالميدان تحضيراً لهذه الطقوس ويسابقون الزمن لبلوغها، دعم سياسي قوي بتمويل أعمال الحفر والنبش أسفل البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وفي سلوان إلى الجنوب منه بعشرات الملايين من الدولارات، وهو ما ظهر جليا في تصريحات نتنياهو أكثر من مرة، وفي مشاركته قبل عدة شهور في جلسة حكومة الاحتلال التي عقدت بالقرب من أسوار البلدة القديمة.

حفريات تحت المسجد الأقصى منذ عام 2013 (فيسبوك) 


بدوره، يرى مجلس إدارة الأوقاف الإسلامية أن ما يجري خطير جدا، مع تجاوز انتهاكات الاحتلال الخطوط الحمراء، وفق ما قال مدير عام الأوقاف الشيخ عزام الخطيب، لـ"العربي الجديد" مضيفاً "كانوا في السابق يقيمون طقوسهم على جبل الزيتون. أما اليوم فإنهم يريدونها على أنقاض القصور الأموية التي دمروها ونهبوا حجارتها. هذا لن يحدث أبدا".

أما رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث، ناجح بكيرات، فرأى أن ما يتم التحضير له هو زحف للرموز التلمودية على بعد أمتار من أسوار المسجد الأقصى، تمهيدا لإقامتها بعد ذلك داخل المسجد الأقصى. وقال "منذ سنوات طويلة وهم يطالبون بأن تكون مثل هذه الرموز من صلوات وشمعدان وقرابين داخل المسجد الأقصى وداخل البلدة القديمة، وكانت تلك المطالبات تواجه بالرفض وعدم الموافقة حتى من قبل شرطة الاحتلال، لإدراك الأخيرة بأن أمرا كهذا سيفجر الأوضاع بالمنطقة، وأن الشعب الفلسطيني لن يسمح بها أبدا" .



وتظهر صور التقطها "العربي الجديد"، منصات وصالات عرض ومجموعات من المستوطنين تقوم ببعض الأعمال على امتداد المنطقة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، في حين ينهمك مرشدون سياحيون إسرائيليون في تقديم شروحات مضللة للسياح الأجانب عن مكانة المسجد الأقصى لدى اليهود، بإطلاق تسمية "جبل الهيكل" عليه. في وقت توزع على هؤلاء السياح خرائط تظهر "الهيكل" الذي يبدو مشيداً على أنقاض الأقصى. ويذهب ريع هذه الخرائط إلى "معهد جبل الهيكل" و"أمناء جبل الهيكل".