التعليم في السعودية... تعديل للمناهج وحملة واسعة لإقصاء مدرسين

التعليم في السعودية... تعديل للمناهج وحملة واسعة لإقصاء مدرسين

27 مارس 2018
سيتغير الكثير عليهم (عامر هيلابي/ فرانس برس)
+ الخط -
يتنصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من مسؤولية السلطات عن المناهج في القطاع التعليمي، ويحاول استرضاء الولايات المتحدة بتعديلها وإلقاء تهمة التطرف على الإخوان المسلمين

قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لبرنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الموجه إلى الجمهور الأميركي، إنّ المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، وما زال البعض منهم موجوداً، لكن، في القريب العاجل سيقضى عليهم نهائياً. تابع أنّ النظام التعليمي المتشدد بسبب التيارات الإسلامية التي اختطفت الدولة سيعدّل قريباً.

بعد هذه التصريحات، سارع وزير التعليم أحمد العيسى إلى الإدلاء ببيان صحافي قال فيه إنّ الوزارة بدأت بخطة شاملة لتعديل المناهج التربوية في السعودية بشكل كامل. وقال الوزير في البيان الذي نشر في موقع الوزارة على الإنترنت: "بعض رموز الجماعة (الإخوان المسلمون) الذين هربوا من مصر في الستينيات والسبعينيات الميلادية من القرن الماضي، انخرطوا في التدريس في التعليم العام والجامعي السعودي، فتأثر بهم بعض المسؤولين والمشرفين والمعلمين الذين ساهموا في صياغة المناهج الشرعية ونظموا النشاطات الطلابية وفق منهج الجماعة المنحرف".

أضاف: "الخطة تتضمن إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوها من منهج جماعة الإخوان المحظورة، ومنع الكتب المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين من جميع المدارس والجامعات، كذلك إبعاد كلّ من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها من أيّ منصب إشرافي أو من التدريس، والتوعية بخطر فكر الجماعة من خلال الأنشطة الفكرية في الجامعات والمدارس".


وبحسب معلمين وتربويين سعوديين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم خوفاً من طردهم من سلك التعليم أو سجنهم، فإنّ حملة إقصاء واسعة يتعرض لها المعلمون في كلّ المدارس والثانويات والجامعات حول البلاد. وقد بدأت الوزارة بإحالة كثيرين من بينهم إلى مناصب هامشية وإشرافية، أو توقيفهم عن العمل إلى حين التأكد من أنّهم لا ينتمون لأيّ تيار سياسي معارض، أي الإخوان المسلمين.

كانت المناهج السعودية قد وضعت من قبل علماء شرعيين مختصين في السعودية في خمسينيات القرن الماضي، ينتمون إلى المدرسة السلفية الوهابية التي قامت عليها الدولة السعودية، حيث وضع الملك السابق وأول وزير للتعليم فهد بن عبد العزيز آل سعود، وعبد العزيز آل الشيخ، وحسن آل الشيخ (وهما حفيدا الشيخ محمد بن عبد الوهاب) أُسس النظام التعليمي السعودي، وصاغوا المناهج الإسلامية، قبل دخول جماعة الإخوان المسلمين إلى البلاد.

أميركا
واستمرت هذه المناهج بالعمل منذ خمسينيات القرن الماضي، حتى أحداث سبتمبر/ أيلول عام 2001، إذ تبيّن أنّ 15 سعودياً كانوا من بين المهاجمين، وهو أمر دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الطلب من السلطات السعودية تعديل مناهجها، بعدما وجهت أصابع الاتهام إلى مناهج الثقافة الإسلامية، متهمة إياها بالتسبب بتجنيد الشباب السعودي في الإرهاب.

شرع ولي العهد السعودي آنذاك، والذي أصبح ملكاً في ما بعد، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، بتشكيل لجان خاصة لتعديل هذه المناهج، فحذفت بعض النصوص التي اعتبرتها الولايات المتحدة متشددة، وأبرزها نصوص "الولاء والبراء" وهي نظرية مهمة في المذهب الوهابي الذي قامت عليه الدولة السعودية، وتنص على معاداة غير المسلمين. لكنّ هذه الإصلاحات كانت مدار غضب ورفض كثير من قادة المؤسسة الدينية، الذين كانوا في الوقت نفسه موالين للأسرة الحاكمة، ومعادين للإخوان المسلمين، وبقية التيارات الإسلامية السياسية بحجة أنّها إصلاحات طارئة على الدين ومبتدعة.

وبالرغم من استمرار الإصلاحات، وافتتاح جامعات مختلطة، وحذف بعض المناهج التعليمية من "كتاب التوحيد" الذي استقي من تعاليم المصلح الديني وأحد مؤسسي الدولة السعودية محمد بن عبد الوهاب، إلا أنّ لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي عقدت جلسة في منتصف عام 2017 بعنوان "المناهج التعليمية المقلقة في المملكة العربية السعودية".

وقال كبير الباحثين الأميركيين في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الخبير ديفيد واينبرغ، أثناء إدلائه بشهادته في الجلسة: "المناهج التعليمية في السعودية تحمل أموراً مثيرة للقلق، ليس في ما يخص حقوق الإنسان فحسب بل للأمن الوطني الأميركي أيضاً، إذ ما زالت تحرض على القتل والتدمير ضدّ غير المسلمين، وفيها مواد معادية للسامية أيضاً".

دفعت الانتقادات الأميركية المتكررة للمناهج السعودية التي صيغت في أروقة المؤسسة السعودية الرسمية ولي العهد، وهو الحاكم الفعلي للبلاد، إلى اتهام الإخوان المسلمين باختطاف هذه المناهج، وكتابتها من جديد، مدعياً أنّ السعودية كانت قبل عام 1979 دولة متقدمة وحضارية وليس فيها إسلاميون.

 تشهد السعودية تغيرات عدة (فايز نور الدين/ فرانس برس)


الصحوة
في هذا الإطار، يقول المعارض السعودي يحيى عسيري لـ"العربي الجديد": "السلطات السعودية تتحكم تحكماً كاملاً في عملية التعليم منذ نشأة الدولة السعودية، والمناهج صيغت من قبل علماء المدرسة الوهابية التابعة للدولة، ومسألة تمكين بعض الإسلاميين غير السعوديين من التعليم كانت مدروسة من الحكومة، لمواجهة المدّ الناصري واليساري آنذاك، ولما انتهى دورهم ضحت الحكومة بهم واستبدلتهم".

يضيف: "المحاولات السعودية الرامية إلى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن المناهج، لا تعدو كونها محاولة تبرئة أسرة آل سعود لنفسها من كتابة هذه المناهج واستخدامها في توسعة نفوذها في الخليج والبلدان العربية عبر نشر الوهابية لمحاربة المد الناصري آنذاك، وهؤلاء الذين يريدون محاربة الصحوة الدينية (حركة معارضة في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات) بحجة أنّها اختطفت البلاد هم أنفسهم كانوا شيوخ الصحوة ورؤوسها ومحرضي الشعب".




يشار إلى أنّ وزير التعليم السعودي أحمد العيسى الذي توعد بالقضاء على تيار الصحوة والإخوان المسلمين داخل سلك التعليم السعودي، كان مشرفاً عاماً لمجلة تسمى "الصراط المستقيم"، وهي "نشرة دعوية شهرية تعنى بقضايا الصحوة الإسلامية في الولايات المتحدة الأميركية"، بحسب تعريفها، إذ كتب مقالاً إبان دراسته العليا في الولايات المتحدة قال فيه: "إن كلمة السلام الشامل التي يُروج لها على أكثر من صعيد، تعني أن السلام المزعوم سوف يشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وهذا أخطر الجميع، إنها تعني تبديل الثقافة السائدة التي من المفترض أنها ترتكز على العقيدة الإسلامية الصحيحة، وعلى الفكر الإسلامي الذي يلتزم بثوابت العقيدة وشمولية الشريعة، لكي تتلاءم مع الواقع الجديد".

وأضاف: الواقع الجديد ضمن مفهوم السلام الشامل لا يعترف بعقيدة الولاء والبراء ولا مفهوم التمايز الحضاري ولكنه يؤمن بمفاهيم التقارب الديني (كما طالب الأمير تشارلز في محاضرته الأخيرة في لندن والتي صفق لها الكثيرون)، ويؤمن بمفاهيم التعايش السلمي والمصالح المشتركة، وإبراز مفاهيم التسامح الديني والحرية العقائدية والانفتاح على الآخرين.

إجراءات
بدأت وزارة التعليم، بحسب عدد من المراقبين، في برنامج لملاحقة المعلمين المنتمين إلى تيارات إسلامية أو يُشكّ في انتمائهم إلى تيارات إسلامية، فقد قامت بحلّ مجلس إدارة البرنامج الوقائي للطلبة والطالبات (فطن) والذي تأسس عام 2015 لمواجهة التطرف في المدارس بعدما اتهمت أعضاءه بالانتماء إلى تيارات إسلامية متطرفة، أي جماعة الإخوان المسلمين.

كذلك، نفذت حملة تطهير واسعة لأكثر من 10 جامعات سعودية، وذلك عبر عدم التجديد لعقود الأساتذة الجامعيين الذين يُشك بانتمائهم إلى تيارات إسلامية، وطرد الأستاذة الوافدين أيضاً، واستبدالهم بآخرين، وإصدار نشرة لكلّ مديري المدارس تطالب المعلمين بعدم الحديث مع الطلاب حول القضايا المهمة التي تشغل الشارع الاجتماعي، والتي اعتادوا طوال سنوات على حرمتها ثم فوجئوا بإقرار الدولة لها، مثل الحفلات الغنائية المختلطة، وقيادة المرأة السيارة.

في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (فرانس برس) 




يقول أحمد، وهو معلم رياضيات في إحدى المدارس في العاصمة الرياض، لـ"العربي الجديد": "الأجواء مخيفة داخل المدارس، فالتحريض من قبل الإعلام الحكومي ضد المدرسين بعد تصريحات ولي العهد صار علنياً وشديداً، وكلّ معلم يخشى الحديث مع زميله خوفاً من كتابة تقرير فيه". يضيف: "هناك نشرة وصلت إلى مكتب مدير المدرسة شرحت فيها وزارة التعليم خطتها لمواجهة الصحوة، وذلك عبر ثلاث خطوات؛ الأولى المناهج، والثانية المكتبات المدرسية، والثالثة توعية المتعلمين". يتابع المعلم الذي اطلع على "النشرة"، أنّ التعديلات في المناهج تشمل إعادة صياغتها وتنقيحها من الأفكار "المتطرفة"، وستتولى المكتبات المدرسية جمع بعض الكتب الإسلامية وغير الوطنية وحرقها أو تسليمها إلى مخازن الوزارة لإتلافها، بينما ستنظم الوزارة أنشطة شهرية للمتعلمين بهدف "تعزيز الوعي الوطني".



بدوره، يقول أستاذ جامعي سعودي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "ما يحدث إرساء لقواعد فاشية في التعليم بحجة محاربة تيار الصحوة، فآلاف المعلمين سيكونون ضحية للسياسات السعودية الرامية لتحسين صورتها أمام الولايات المتحدة الأميركية".

المساهمون