إضراب الجامعات... مستقبل الطلاب في بريطانيا مهدد

إضراب الجامعات... مستقبل الطلاب في بريطانيا مهدد

25 مارس 2018
يتجدد الإضراب (جف ميتشل/ Getty)
+ الخط -
المطالب المحقة لأساتذة الجامعات وطواقمها في بريطانيا لا تنفي أنّ إضراباتهم المتجددة تهدد الطلاب. الجميع يبحث عن حلّ... لكن، بين الأساتذة والموظفين من جهة والإدارات من جهة كثير من الخلاف

اكتملت المرحلة الأولى من إضراب أساتذة الجامعات في بريطانيا بسبب قضية إنهاء استحقاقات رواتب التقاعد المضمونة، ووضع قواعد جديدة تعتمد على المساهمات الخاصة التي يستثمرها الأساتذة في راتب التقاعد النهائي. ويستمر الإضراب في تواريخ محددة في المرحلة الثانية منه، وهو ما قد يستهدف فترة اختبارات الطلاب.

جرى تأكيد موعد الإضراب الثاني في 12 كلية في وقت لاحق هذا الشهر، إذ سيخرج الموظفون في 11 كلية في لندن بالإضافة إلى كلية ساندويل في ويست ميدلاندز في 27 أو 28 مارس/ آذار الجاري، لينظموا إضراباً على مدار يومين أو ثلاثة. بذلك، تتأثر بالإضراب كلية سيتي وإسلنغتون وكلية هارينجي إنفيلد، وكلية شمال شرق لندن، وكلية وستمنستر كينغزواي، وكلية كرويدن، وكلية لامبيث، وكلية ساندويل، جميعها بتاريخ 27 و28 و29 مارس. كذلك، تدخل في الإضراب كلية ريدبريدج، وكلية تاور هامليتس بتاريخ 27 و29 مارس و18 أبريل/ نيسان المقبل، فضلاً عن كلية هافينغ بتاريخ 27 و28 مارس، وكلية مدينة وستمنستر، وكلية شمال غرب لندن بتاريخ 28 و29 مارس.

الاحتجاج الأساس هو في شأن إجراءات الأجور، لكن في بعض الكليات يشمل الخلاف أيضاً مخاوف بشأن ظروف العمل بما في ذلك استحقاقات الإجازات وسياسات عبء العمل والمراقبة ما يشرك طواقم الموظفين في الإضراب إلى جانب الأساتذة. بشكل عام، صوّت 91 في المائة من الموظفين لصالح الإضراب وبلغ متوسط نسبة الإقبال 63 في المائة.

بين فرنسا وبريطانيا
في هذا الإطار، يقول البروفيسور، جيلبرت أشقر، أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في جامعة "سواس" (مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية) لـ"العربي الجديد": "يريدون تغيير نظام التقاعد الذي يعتمد على أساس الراتب الأخير مع أخذ عدد السنوات بعين الاعتبار. والانتقال إلى نظام كنوع من صندوق استثمار مبني على المشاركة من دون الضمانة الموجودة في نظام التقاعد الحالي. بذلك، فإنّ الخسارة قد تصل بالنسبة للمبتدئين حالياً عند وصولهم إلى وقت التقاعد إلى عشرة آلاف جنيه إسترليني سنوياً". يلفت إلى أنّ المطلب الأساس، للقاعدة النقابية هو رفض حسابات إدارات الجامعات التي يشكك فيها كونها مبنية على سيناريو كارثي وغير واقعي: "بحجة هذا السيناريو الذي يتصوّر أنّ الجامعات ستشهد إفلاسها، تحدث هذه التغييرات التي يدفع ثمنها أساتذة الجامعات لأنّها تقلّل من راتب التقاعد، أي إنّ الخلاف في الواقع هو على طريقة الحساب والذرائع المقدمة".




يشير أشقر إلى أنّ من بين أساتذة الجامعات أساتذة اقتصاد وهناك إجماع بينهم على أنّ حجج إدارات الجامعات واهية وهي مجرّد ذرائع، وهذا السيناريو جرى تركيبه لتمرير التغيير، وهو يندرج بشكل عام في إطار التحوّل الحاصل منذ سنوات عديدة في هذا البلد، أي التغيير النيوليبرالي، الذي يؤدي إلى تحويل الجامعات من جامعات عامة إلى جامعات خاصة ولو بقيت ملكيتها عامة. وهو ما معناه أنّ إدارات الجامعات باتت اليوم كأنّها إدارات مستقلّة مع تقلّص تمويل الدولة بصورة مستمرّة. وبالتالي، تدفع الجامعات إلى تكوين نفسها بنفسها كأنّها مؤسسات خاصّة، ويصبح المصدر الأساس للتمويل الرسوم التي يدفعها الطلاب، وهو ما أدّى إلى ارتفاع هذه الرسوم التي كانت رمزية في بريطانيا قبل سنوات كما هي الحال في فرنسا مثلاً حتى اليوم. لكنّ هذه الرسوم تحوّلت في بريطانيا لتصل إلى 9 آلاف جنيه إسترليني في العام للبريطانيين والأوروبيين طالما ما زالت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، أما غير الأوروبيين كالآتين من المنطقة العربية مثلاً، فلا حدود للمبالغ التي يدفعونها للجامعات.

يضيف أشقر أنّ الاستمرار في رفع رسوم الجامعات، التي قفزت 3 آلاف جنيه في فترة ديفيد كاميرون وحدها، كانت خطوة أساسية لتحويل الجامعات إلى ما يشبه المؤسسات الخاصة، ورافق ذلك منطق إدارة الجامعات ورواتب مديريها التي تعتبر مرتفعة بنسبة أكبر بكثير من مديري قطاعات أخرى مثل قطاع الصحة أو غيرها على الرغم من أنّ حجم العمل الذي يؤدونه لا يقل عن مديري الجامعات. كلّ ذلك أدّى إلى تضخّم النفقات على صعيد الإدارة والدخول في حلقة مفرغة، أي باتت الجامعات تعمل كشركات خاصة ولم تعد تقدّم خدمة عامة، علماً أنّ التعليم ينبغي أن يكون خدمة عامة وليس تجارة، لكن يبدو أنّنا في بريطانيا نشهد التحوّل باتجاه الانحطاط التجاري بدلاً من أن يحدث نقيض ذلك بحسب أشقر. يؤكّد أنّ تغيير نظام رواتب التقاعد لا يؤثّر على مديري الجامعات الذين يتقاضون رواتب باهظة تصل إلى نصف مليون جنيه في العام، أي باستطاعتهم المساهمة في صندوق خاص، بينما يبلغ المعدل الوسطي لأساتذة الجامعات ما بين 35 و40 ألف جنيه في العام، ويزداد بحسب الرتبة.




يتابع البروفيسور أشقر أنّ الإضراب مستمر، على الرغم من توقفه في الأسبوع الماضي، ومن المرجّح أن يستهدف اختبارات الطلاب، وقد تتم الدعوة إلى الإضراب من بداية الفصل الدراسي الجديد أيضاً إن لم يجرِ التوصل إلى حلول، ما يعني أنّ وضع التعليم في البلاد سيتأثّر بشدة.
يوضح أنّ التقاليد البريطانية مختلفة، لأنّه حين كان في فرنسا، كان الإضراب لا يتوقف قبل تحقيق المطالب، لكن هنا أعلنوا سلفاً الإضراب لمدّة ثلاثة أسابيع وعلى الرغم من عدم تحقيق أي شيء توقّف الإضراب، ويرى أنّ هذا الأمر غريب. أمّا عن طبيعة الخطوة التصعيدية التالية فما زالت الأمور غامضة، ومن الممكن العودة إلى الإضراب في أواخر أبريل. ويضيف: "يصعب توقّع ما سيحدث، لأنّهم لم يظهروا أيّ ليونة. المساومة التي عرضت علينا، لم تلبِّ أبداً المطلوب ورُفضت بشكل صاعق".

استعداد
من جهته، يقول العضو في اتحاد الجامعات والكليات ساي إنغليرت، لـ"العربي الجديد" إنّ العرض الذي رفضوه كان عبارة عن تغيير نظام التقاعد على مدار السنوات الثلاث المقبلة بينما يتوصلون إلى حلّ، لأنّ تقييم الإدارة للرواتب والأزمة الحاصلة في نظام التقاعد كان خاطئاً، ويحتاجون إلى هذه الفترة للبتّ فيه، لكن على الأساتذة أن يدفعوا خلال هذه الفترة مبلغاً أكبر في صندوق التقاعد ويحظوا بقيمة أقل، على الرغم من وجود هذا الخطأ وريثما يتوصلون إلى حلول. يتابع أنّ أعضاء اتحاد الجامعات والكليات رفضوا هذا العرض في أقل من 24 ساعة، وقالوا إنّهم يرفضون فكرة وجود أزمة في نظام التقاعد. كذلك، يلفت إلى أنّ هناك آراء داخل الاتحاد حالياً تدعو إلى مقاطعة تقييم اختبارات الطلاب أو وضع درجات عليها.

بدورها، تقول السكرتيرة العامة لاتحاد الجامعات والكليات، سالي هانت، إنّ أعضاء الاتحاد في هذه الكليات أوضحوا تماماً أنّهم على استعداد لاتخاذ إجراءات الإضراب دفاعاً عن رواتبهم وظروفهم، مشيرة إلى أنّهم سيضربون مرّة أخرى في وقت لاحق هذا الشهر إن لم تحلّ الكليات مخاوفهم بشكل صحيح. تضيف أنّ الإضراب هو الملاذ الأخير، إذ يشعر الموظفون أنّهم تُركوا من دون أيّ بديل آخر.




من جهته، يقول أحد مسؤولي مكتب إعلام الاتحاد إنّ تقديم أرباب العمل عرضاً أفضل قد ينهي النزاع أو الحاجة إلى الإضراب من جديد. ويلفت إلى أنّهم يأملون أن تحلّ الأمور في أقرب وقت ممكن. يضيف أنّهم يضعون اللمسات الأخيرة على الخطط لمدة 14 يوماً أخرى من إجراءات الإضراب إذا تعذّر التوصل إلى حلّ. ويؤكّد أنّ هذه الإضرابات ستؤثّر حتماً على فترة الاختبارات والتقييم. ويشير إلى أنّهم ممتنون للغاية لدعم الطلاّب لهم حتى الآن في هذا النزاع، ويودّ أن يوضح لهم أنّهم بذلوا قصارى جهدهم لحلّ هذا الخلاف.

خسارة المضربين
"الكلام حالياً يدور حول 14 يوم إضراب خلال فترة الامتحانات" بحسب الدكتور مازن المصري أستاذ القانون في جامعة "سيتي لندن". يوضح أنّ ذلك سينتج عنه تأخير في تصحيح الامتحانات، ما سيؤثّر بشكل خاص على طلاّب السنة الثالثة لأنّ أغلب الجامعات يتخرّج طلابها بعد انتهاء الامتحانات بشهر. أمّا طلاب السنتين الأولى والثانية فقد يتأثرون نفسياً بسبب عيش مرحلة أطول من عدم اليقين لفترة بسبب تأجيل التصحيح. وسيحتاج التصحيح إلى وقت أطول لأنّ بعض الأساتذة غير المضربين سيصحّحون، لكنّ هذا لا يعني أنّنا لن نصحح الامتحانات بعد العودة من الإضراب. لكن قد تتخذ إجراءات تصعيدية تصل إلى حد الامتناع عن تصحيح الامتحانات حتى بعد العودة من الإضراب.

يؤكّد الدكتور المصري، أنّ هذا التصرّف يتضمن خطورة لأنّه يعتبر خرقاً لعقد العمل، وباستطاعة الجامعة خصم الراتب أو نسبة منه. كذلك، من الممكن أن تقوم إدارة الجامعات بتعديل اللوائح الداخلية في حالات الطوارئ، أي قد تستخدم البنود الموجودة على هذه اللوائح من أجل اتخاذ إجراءات للتغلّب على الموضوع. وعن مراقبة الامتحانات يقول إنّها لن تتأثّر لأنّ أشخاصاً آخرين يتولون القيام بها.

ويلفت المصري، إلى أنّه يحق لأيّ نقابة البدء بإضراب وفق القانون بعد أن يطلب من أعضائها التصويت عليه، وينبغي أن تصل نسبة الموافقة والاشتراك إلى 50 في المائة، كي تمنح الحق في الإضراب والتصعيد لمدة ستة أشهر، لكن بعدها تنتهي صلاحية هذا التفويض أي عملياً ينبغي تجديده. كذلك، يوضح أنّهم توقفوا عن الإضراب بعد ثلاثة أسابيع على الرغم من عدم تحقيق مطالبهم لأسباب عدّة، الأول أنّ المضربين يخسرون من رواتبهم عن كلّ يوم إضراب، وهناك من لا يتحمّل فترة إضراب مفتوح، والسبب الثاني أنّهم لا يريدون خسارة دعم الطلاب، والسبب الثالث التغييرات التي حدثت في السنوات الماضية بشأن الإضراب، ومنها التبليغ عنه قبل البدء به.



في المقابل، قال وزير الدولة للجامعات والبحث العلمي سام جييما في بيان إنّه يشعر بقلق بالغ من تأثير الإضراب على الطلاّب، الذين يستحقّون تلقي التعليم مقابل المبالغ التي يدفعونها، وبالنسبة لكثيرين منهم، يعتبر هذا الوقت حيوياً في دراستهم. وتابع أنّه يتحدّث إلى جامعات البلاد واتحاد الجامعات والكليات، ويدعوهم إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، من دون شروط مسبقة، وإيجاد حل يتجنّب المزيد من التعطيل للطلاب. أضاف جييما، أنّه يتوقّع من الجامعات أن تراقب عن كثب تأثير الإضراب على الطلاب، وأن تضع تدابير للمحافظة على جودة التعليم الذي ينبغي أن يتلقوه.

وردّ اتحاد الجامعات والكليات أنّه يشارك مخاوف الوزير بشأن تعطيل الطلاب، لكنّه لن يلغي الإضرابات المخطط لها إلاّ مع تقديم عرض جيد.

المساهمون