سودانيات مطلقات... مطاردات في المحاكم لأجل النفقة

سودانيات مطلقات... مطاردات في المحاكم لأجل النفقة

09 فبراير 2018
نسبة الطلاق مرتفعة (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
لا تتناسب نفقة الطلاق الضئيلة المتوجب على الزوج السابق دفعها، مع الأحوال الاقتصادية السيئة في السودان، بينما ترتفع في الوقت نفسه نسب الطلاق

سهير (37 عاماً) تزوجت وأنجبت بنتين، الأولى عمرها 13 عاماً والثانية 10 أعوام، لكن وقع الطلاق أخيراً. كحال آلاف ممن يفرون من واجب النفقة على الأبناء بعد الانفصال، كما فعل طليقها، وهو ما اضطرها إلى رفع دعوى عليه، أمام محكمة الأحوال الشخصية مطالبة بالنفقة.

بعد أكثر من جلسة، حكمت لها المحكمة بـ500 جنيه سوداني (27 دولاراً أميركياً) شهرياً، وذلك طبقاً للحالة المالية لزوجها السابق الذي يعمل حارساً في إحدى الشركات الأمنية. وجدت سهير أنّ المبلغ بالرغم من ضآلته، يساعدها إلى حد ما في تربية البنتين وتعليمهما وعلاجهما وأكلهما وشربهما، أما السكن فقد أمنته لها أسرتها الكبيرة.

مع ازدياد التضخم في السودان وزيادة الأسعار في السنوات الأخيرة بات المبلغ لا يكفي لإعالة بنتيها. تسعى هذه الأيام إلى التقدم بطلب جديد إلى المحكمة لأجل زيادة المبلغ.

صدم المجتمع السوداني مؤخراً، بأحدث دراسة أعدها الجهاز القضائي، وكشفت أنّ من بين كلّ 3 زيجات، تقع حالة طلاق، إلى جانب وقوع 6 حالات طلاق في اليوم الواحد. تشير الدراسة إلى أنّ نسبة الزواج في العام تبلغ 73 في المائة، بينما تبلغ نسبة الطلاق 26 في المائة. طبقاً للدراسة نفسها فإنّ 426 حالة زواج تتم في اليوم الواحد، بواقع 17.75 حالة في الساعة، بينما تحدث 155 حالة طلاق في اليوم.


كذلك، ذكرت الدراسة أنّ جملة حالات الطلاق في الثلاثة أشهر الأخيرة من عام 2016 بلغت 14 ألفاً و7 حالات، بينما كان عدد الزيجات 38 ألفاً و361 حالة. كلّ هذه الأرقام جعلت السودان في المركز الثاني عربياً بعد مصر، في عدد حالات الطلاق.

تسعى غالبية المطلقات في السودان، إلى الحصول على نفقة بواسطة المحاكم للأبناء. ولا يقتصر الأمر على الفئات الضعيفة، فأحد الفنانين المشهورين في السودان، والذي يتقاضى آلاف الجنيهات في الحفلة الواحدة، رفعت طليقته دعوى ضده للإنفاق على أولاده، لتحكم لها المحكمة بـ1500 جنيه (80 دولاراً) فقط، ما أشعرها بظلم دفعها إلى الخروج لوسائل الإعلام لتحكي القصة، في محاولة منها لإحراجه أمام معجبيه في ما يبدو.

وبحسب تقديرات الكثيرين فانّ هناك آلاف المطلقات اللواتي لم يحبذن فكرة الوقوف أمام المحاكم، ويلجأن إما إلى الاتفاق مع الطليق خارج ردهات المحاكم بصورة ودية، أو الاجتهاد في إعالة الأبناء بأنفسهن. نجوى واحدة من هؤلاء، فقد طلبت الطلاق من زوجها ونالته، لكنّها رفضت، بسبب نصيحة من والدها، رفع دعوى قضائية لإلزام طليقها بالنفقة على أولاده. تقول لـ"العربي الجديد": "لم أرفع دعوى تلبية لرغبة والدي الذي التزم بكلّ ما يخص تربية ومعيشة أولادي" مشيرة إلى أنّها موظفة في إحدى الشركات أيضاً، ما يتيح لها تعليم وعلاج أبنائها الثلاثة. وبالرغم مما تعانيه في سبيل ذلك، فهي سعيدة بتفوق أبنائها في المدرسة، لكنّها حزينة في الوقت نفسه، إذ أدرك الأبناء أنّ والدهم لا ينفق عليهم، فباتوا لا يكترثون حتى لوجوده في الحياة.




بحسب إحصائية رسمية، فإنَّ هناك 70 دعوى نفقة يومياً أمام المحاكم السودانية المختصة بقضايا الأحوال الشخصية، معظمها من سيدات ضد أزواجهن السابقين، كما أنّ أغلب الدعاوى تلك تنظرها محاكم في ولاية الخرطوم التي حصلت على المركز الأول من بين الولايات الأكثر طلاقاً، بحسب إحصاءات الجهاز القضائي.

تعزو الدراسة أسباب الطلاق في السودان إلى تدخل أسر الزوجين في الحياة الزوجية، وانعدام الثقة وغياب الانسجام، وفقدان الحبّ، وزواج الزوج مجدداً، والضائقة المعيشية، وهروب الزوج. ومع كلّ قضية نفقة، يدور جدل حول تقديرات المبالغ التي تحددها المحاكم، فكثيرون يعتبرون أنّها مبالغ قليلة جداً مقارنة بتكاليف الحياة اليومية.

بموجب قانون الأحوال الشخصية تشمل النفقة الطعام والكسوة (الملابس) والمسكن والتطبيب وكلّ ما تقوم عليه حياة الإنسان. ويراعي القانون، في تقدير النفقة، قدرة المنفق المالية والوضع الاقتصادي العام بحسب مناطق البلاد، ويجيز زيادة النفقة وإنقاصها تبعاً لتغير الأحوال الاقتصادية بحسب الزمان والمكان.

يفرض القانون على ربّ البيت الإنفاق على البنت حتى تتزوج، وعلى الفتى حتى يصل إلى الحدّ الذي يكسب فيه العيش، ما لم يكن طالب علم إذ "تجب نفقته ما دام يواصل دراسته بنجاح معتاد". ويفرض القانون أيضاً على الأب، الإنفاق على الولد الكبير العاجز عن الكسب، لإعاقة أو مرض، إذا لم يكن له مال يمكّنه من الإنفاق.

يقول المحامي سمير مكين، إنّ تقديرات النفقة تجري بصورة جزافية، وغالباً ما تكون النفقة بين 500 جنيه وألف، وهو ما لا يتوافق مع الظروف الاقتصادية القاهرة التي يمر بها السودان. يشير إلى أنّ المشكلة الحقيقية في قانون الأحوال الشخصية هي ترك عبء الإثبات على المطلقة، التي يطلب منها أن تثبت أن زوجها لا ينفق على أولاده، وأنّ وضعه المالي يؤهله للإنفاق. ويطالب بأن يُحوّل عبء الإثبات إلى الرجل فيلزم بتحديد ما إذا كان ينفق على أولاده أم لا، ثم يبين لماذا لم ينفق.




كذلك، يطالب مكين بإلزام الزوج بالإنفاق على أبنائه من دون أدنى اعتبار لعدم قدرته المالية "لأنّ كلّ شخص قرر الدخول في زواج، عليه إدراك واجبه في الإنفاق على أولاده في حال انفصاله عن الزوجة أو عدم انفصاله. هو ملزم ويجب أن يُلزم بالعمل والاجتهاد، ودفع ما عليه من نفقات". وينادي مكين، بتحديد رقم واضح لحدّ الكفاف (ما يكفي الأبناء).

من جانبه، يقول البروفيسور على بلدو، أستاذ الصحة النفسية لـ"العربي الجديد" إنّ ذهاب المطلقات إلى المحاكم، بغرض الحصول على النفقة يحدث لأسباب مختلفة سواء من الحاجة الفعلية أو من الشعور بالمرارة والغبن. بالتالي، يحاولن الانتقام من الطرف الآخر نتيجة انفصالهما غير الودي. يشير إلى أنّ اللجوء إلى المحاكم يدفع ثمنه الأبناء غالباً، إذ يصيبهم شعور بالدونية، وينمو لديهم إحساس بالنقص والصدمة النفسية.

يضيف أنّ تقديرات النفقة في حد ذاتها تمثل امتهاناً لكرامة الأبناء، وتجعلهم يشعرون بالكراهية تجاه الأب والأم معاً. يعلق: "ينشأ لديهم حقد على المجتمع وعدم إيمان بروح القيم والأعراف، وتنمو داخلهم روح التمرد والجنوح، ما يقودهم في النهاية إلى سلوكيات سلبية كالسرقة والإدمان، والهروب من المنزل، مع قابلية عالية للاستغلال الجسدي والجنسي".

ليست مسألة مالية فحسب
يقول أستاذ الصحة النفسية، البروفيسور علي بلدو، إنّ قضايا الأحوال الشخصية هي في المقام الأول ذات طابع نفسي، وبالتالي فإنّ النفقة ليست فقط أموالاً أو هدايا، إنّما هي عطف وحنان ومودة، لا يمكن الإتيان بها إلاّ بالإرشاد النفسي والاجتماعي وإنشاء مراكز تأهيل تبني تناغماً بين الطليقين يصدّ عن الأبناء كثيراً من السلبيات.

المساهمون