غزيون في السجن بسبب الديون

غزيون في السجن بسبب الديون

08 فبراير 2018
بالكاد يؤمّن قوت عائلته (محمد الحجار)
+ الخط -
الحال في قطاع غزة لا يسر. عدد من الموظفين الذين لا يتقاضون رواتبهم كاملة، يدخلون السجن بسبب تراكم الديون وعجزهم عن سدادها

تتراكم الديون على الموظّفين التابعين لحكومة رام الله في قطاع غزة، في ظلّ عدم قدرتهم على تسديد ديونهم على مدى أشهر. حتى التجار غرقوا بدورهم في الديون. وأدى تفاقم الأزمة الاقتصادية واشتداد الحصار وعدم حصول الموظّفين على رواتبهم، إلى عجز الموظفين عن تسديد ديونهم، وبالتالي احتمال سجنهم لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، من دون وجود أي حلول، باستثناء الاتفاق على سداد الديون بالتقسيط بعد التوقيع على تعهدات في أقسام الشرطة.

مؤخراً، خرج محمد (40 عاماً) من أحد السجون في مدينة غزة، بعدما قضى 15 يوماً فيه بسبب عدم قدرته على تسديد ديونه للمتجر، وقدرها نحو 1450 دولاراً. كان قد توقّف عن سداد ديونه منذ شهر إبريل/نيسان العام الماضي، بعد قرار السلطة الفلسطينية اقتطاع 30 في المائة من راتبه. كما أنه كان يسدّد قرضاً مصرفياً حصل عليه قبل أربعة أعوام.

خرج محمد من السجن بعدما وقّع على وثيقة في مركز الشرطة بتسديد المبلغ خلال الأشهر السبعة المقبلة، علماً أنه أب لستة أطفال في المدارس، كما أنه لا يتقاضى غير 95 دولاراً شهرياً. ويقول محمد لـ "العربي الجديد": "في شهر مايو/أيار من العام الماضي، بدأت البحث عن عمل لتوفير الطعام لعائلتي. على مدى شهر، كان ينظر إلي الناس على أنني موظّف سلطة ولست جدياً في العمل. قصدت إحدى الجمعيات الخيرية، إلا أنها رفضت مساعدتي، رغم أنني قدمت لها أدلة بالراتب الذي أحصل عليه".

مرّة جديدة، يبحث محمد عن عمل كي يستطيع تسديد ديونه، وهو مستعد لقبول أي عمل وإن كان المقابل المادي قليلاً. أما أشرف (41 عاماً)، فاختار العمل في إحدى شركات النظافة، علماً أنه أحد موظفي السلطة التابعة لحكومة رام الله. المبلغ القليل الذي يتقاضاه أشرف منذ أغسطس/آب العام الماضي، يذهب لتسديد قرض مصرفي ودفع فواتير المياه والكهرباء، إضافة إلى تسديد ما استدانه من أحد أقاربه لتعليم ابنته في الجامعة. يقول لـ "العربي الجديد": "أتقاضى من عملي الحالي 200 دولار شهرياً، وقد اعتقلت مرتين، ووقّعت على تعهّد بدفع المال بالتقسيط".

 يحاول التفكير في بدائل (محمد الحجار) 


أما محمد (45 عاماً)، الذي التقته "العربي الجديد" خلال إجازة سجن لمدة 24 ساعة (يحصل سجناء الذمم المالية على إجازة 24 ساعة كل أسبوعين)، فبدا عاجزاً بدوره عن تسديد سندات بقيمة 15 ألف دولار نتيجة اشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، بفعل اشتداد الحصار وإغلاق المعابر الحدودية. يقول لـ "العربي الجديد": "هذه المرة الثانية التي أدخل فيها السجن، وتأمّلت الحصول على مزيد من الوقت لسداد المبلغ. إلّا أن الدائن يضغط علي. وجدت مئات التجار معي في السجن، ما يدل على أننا نعيش أياماً سوداوية".



وتكثر قضايا الذمم المالية لدى مكاتب المحامين في قطاع غزة. خلال العام الماضي، استقبل مكتب المحامي أيمن بكر أكثر من 150 قضية ذمة مالية، غالبيّتها تتعلق بقروض مصرفية وديون. أما المحامي أحمد المصري فقد ترافع في أكثر من 50 قضية ذمة مالية، وغالبية الذين دخلوا السجن هم موظفون في حكومة غزة السابقة والسلطة الفلسطينية، وتجار سابقون. يقول المصري لـ "العربي الجديد": "تعرّض تجار كثر لانتكاسة مالية، وقد زادت المعاناة مع اشتداد ظروف الحصار. ويتوجّه الدائن إلى المحكمة بهدف الضغط من خلال إصدار أوامر بالحبس".

يشير المصري إلى أنّ العديد من أوامر الحبس تنفّذ، ويطبّق على المدين نصّ قانون التنفيذ رقم 23 لعام 2005 (ضمن القانون الأساسي الفلسطيني)، الذي يُجيز للمحكمة، بناء على طلب ذوي الشأن، تعجيل التنفيذ. ويسجن مدة 90 يوماً في حال عدم سداد المستحقات المالية. ويرى أن قضايا كثيرة لا تنتهي بتسوية مالية، لأن عدداً كبيراً من المدينين هم تجار أو أصحاب مشاريع تعرّضوا لانتكاسات. لذلك، يطالبون بالحصول على كل أموالهم.

إلى ذلك، زادت القروض من أزمات الغزيين. ونتيجة عدم التزام البعض بسداد المبالغ التي اقترضوها في الوقت المحدد، دخلوا السجن. وسبق للجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي أن كفلت بعض الذمم المالية للمسجونين، لكن المصري يشير إلى أنه كانت هناك محاباة لبعض المساجين. ويرى أن الحل يكمن في تدخل حكومي ومؤسساتي فوري لحلّ القضايا، أو سيكون عام 2018 مليئاً بقضايا الذمم المالية.

وبحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مجلس القضاء الأعلى في غزة، فإن عدد قضايا تنفيذ الذمم المالية لعام 2015 وصل إلى 80 ألفاً و92، وزادت بشكل طفيف في عام 2016، ووصلت إلى 80 ألفاً و398. وبحسب مصدر أمني مطلع على ملفات مراكز الإصلاح والتأهيل في قطاع غزة، دخل في عام 2017 أكثر من 12 ألف مواطن السجن، نسبة كبيرة منهم كانوا موظفين. وفي الوقت الحالي، يقبع الآلاف في السجن. ويقول المصدر إن هذه الأرقام تتضمن جرائم نصب واحتيال. وفي عام 2017، سجن كثيرون بسبب لقمة العيش، وكانت الأجهزة الأمنية تعاملهم معاملة خاصة لأنها تعي أن الظروف دفعتهم إلى السجن.

من جهته، قال الناطق باسم الشرطة في قطاع غزة، أيمن البطنيجي، إنّ عدد أوامر الحبس بسبب الذمم المالية والديون في عام 2017 بلغت 98 ألفاً و314، أي مواطن من أصل 20.

المساهمون