الإبل تفرّق السعوديين بتوجيه حكومي

الإبل تفرّق السعوديين بتوجيه حكومي

07 فبراير 2018
من أحد مهرجانات الإبل (فهد شديد/ فرانس برس)
+ الخط -
يواجه "مهرجان الملك عبد العزيز للإبل"، الذي تنظمه وترعاه الحكومة السعودية، اتهامات من قبل مواطنين سعوديين يرون أنه وسيلة للفساد المالي ولإلهاء الشعب عن القرارات الحكومية الأخيرة المتعلقة برفع أسعار الوقود وفرض الضرائب الباهظة على الشعب السعودي. المهرجان من المفترض أن يساهم في رعاية التراث في الجزيرة العربية المتعلق بالإبل، لكنّ أحواله تبدلت، إذ بات مناسبة للعديد من التجاوزات.

مهرجانات "مزاين الإبل" بدأت في السعودية منذ عام 1999، برعاية من بعض أمراء الأسرة الحاكمة، وعلى رأسهم الأمير الراحل مشعل بن عبد العزيز آل سعود، إذ تختار لجنة تحكيم خاصة أفضل الإبل المشاركة شكلاً للفوز بالجائزة، لكنّ تقريراً صدر عن اللجنة الأمنية التابعة لإمارة المنطقة الشرقية عام 2013، في زمن الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، قال إنّ "المهرجانات شهدت انحرافاً عن مسارها، فباتت تجلب التعصب القبلي، بالإضافة إلى ترويج المخدرات والمسكرات وتشكيل أرض خصبة لغسيل الأموال، عبر شراء النوق وبيعها بأسعار باهظة جداً". ولقد قررت السلطات السعودية حينها إيقاف هذه المهرجانات ومنعها قبل أن تعيدها مرة أخرى برعاية حكومية في ظل الحكم الحالي تحت مسمى "مهرجان الملك عبد العزيز للإبل".

شهد مهرجان هذا العام، طوال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، تصاعد حدة الخلافات القبلية بتحريض من الحكومة، إذ انتشرت الأغنيات البدوية "الشيلات" التي تهدد كلّ قبيلة بالذبح والقتل من أجل الفوز بمسابقة الناقة الأجمل، فيما كانت المخدرات، وعلى رأسها مخدر الكبتاغون، متوفرة، وفق ما تداوله ناشطون على الإنترنت من خلال مقاطع فيديو، بالإضافة إلى حضور عشرات المطلوبين الأمنيين بشبه تتعلق بالسطو والابتزاز في المهرجان، وحمل هؤلاء أسلحتهم النارية وأطلقوا النار في الهواء، فيما بلغت تكاليف المهرجان الذي أقيم بمحافظة رماح أكثر من 214 مليون ريال سعودي (ما يعادل 57 مليون دولار أميركي) تكفلت شركة "أرامكو" النفطية بها، في وقت يقود فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان البلاد نحو حملة تقشف صارمة من خلال فرض الضرائب ورفع أسعار الوقود.

وبعد إعلان النتائج وردت تهديدات لأعضاء لجنة التحكيم بالقتل من قبل بعض أبناء القبائل الخاسرة، ما أدى إلى تدخل السلطات الأمنية لحماية أعضاء لجنة التحكيم والسيطرة على الفوضى داخل المهرجان.



يقول أحمد العتيبي، وهو مواطن سعودي، لـ"العربي الجديد": "في السابق، كانت هذه المهرجانات تنظّم من قبل أمراء بأموالهم الخاصة، وكانت الحكومة تنزعج منها وتحاول منعها، إلى أن نجحت في ذلك، لكن بهدف إشغال الناس وتخديرهم قررت الحكومة إعادتها بل وتنظيمها باسمها. أعرف كثيراً من القرى في وسط السعودية حدثت فيها مشاجرات وخصومات بين أفراد قبيلتي مطير وعتيبة المنافستين الرئيسيتين على الجائزة كادت تصل إلى القتل لولا تدخل رجال الأمن". يستدرك: "حتى لا يساء فهمي، فإنّ أشخاصاً من قبيلتي حصدوا المراكز الأولى كافة في مهرجان الإبل، لكن ما فائدة فوز قبيلتي بهذه الجائزة التي تقدر بملايين الريالات إذا كان أفراد القبيلة فقراء وجوعى بسبب الحالة الاقتصادية المريعة التي نعيشها وتردي الطبقة الوسطى إلى مستويات متدنية بعد فرض الضريبة المضافة، ورفع أسعار الوقود والسجائر وبقية السلع، وتخفيض جزء كبير من الرواتب بحجة انخفاض أسعار النفط؟".

بدوره، يقول سالم لـ"العربي الجديد": "جدي كان راعياً للإبل ووالدي حافظ على إبل والده طوال سنوات وأنا أعشق هذا الحيوان الذي له تاريخ طويل مع أبناء البادية، لكن ما يحدث في مهرجانات الإبل في السعودية ليس له علاقة بالتراث أو التاريخ، بل هو مهرجان لغسل الأموال والفساد المالي والمخدرات والفرقة القبلية برعاية الحكومة السعودية، ما يخلق هوة سحيقة بين الناس يصعب ردمها. سمعت بأذني بعض الأهازيج التي تهين القبائل الأخرى وتصفها بالكذب والجبن".



تراوح أسعار الإبل المؤهلة للمشاركة في المهرجان ما بين مليون ريال و30 مليوناً، لكنّ كثيراً من المراقبين يشككون في هذه الأسعار ويعتقدون أنّ ارتفاعها المبالغ فيه عائد إلى عمليات غسل أموال، إذ سبق للسلطات السعودية أن قبضت على تاجر إبل مشهور وحكمت عليه بالسجن 15 عاماً بسبب تجارته بالمخدرات وغسل أموالها عبر بيع وشراء الإبل في مهرجان أم رقيبة الذي أقيمت على أنقاضه مهرجانات الإبل الحديثة.

يقول عطية الظفيري، وهو مربي إبل من الكويت، لـ"العربي الجديد": "أشارك في مهرجانات الإبل في الكويت، فينتهي التنافس بسلام ووئام بين المتنافسين، لكن في مهرجانات السعودية فإنّ لغة التعصب القبلي كثيفة جداً والقبيلة التي تفوز هي تلك القبيلة التي تستطيع أن تجند أكبر عدد من أبنائها لحضور المهرجان والصراخ وتوجيه الشتائم ضد القبائل الأخرى، وكلّ هذا يتم بأموال تدفعها الحكومة التي تبدو مرتاحة لهذه الأفعال".



ولا تعد هذه التظاهرة القبلية الوحيدة التي رعتها الحكومة، إذ سبق للسلطات السعودية أن رعت، بإشراف وتمويل من ولي العهد محمد بن سلمان، مهرجانين قبليين على الحدود القطرية بحجة حشد القبائل لتهديد قطر وغزوها. يقول المعارض السعودي محمد المسعري: "سياسة تنظيم المهرجانات وبثّ الفرقة القبلية والطائفية نابعة من مدرسة الاستعمار البريطاني في إرساء قاعدة فرّق تسد، وهو ما حدث في مهرجان الملك عبد العزيز للإبل".