أسباب ونتائج

أسباب ونتائج

06 فبراير 2018
انتخابات تحجب الواقع (رمزي حيدر/ فرانس برس)
+ الخط -
في عالمنا العربي، خصوصاً دول الفوضى والسلاح، كثير من المشاكل الاجتماعية التي تتخذ طابع الأزمات الحادة. منها ما يرتبط بالحياة اليومية للمواطنين في تأمين لقمة عيشهم والاستشفاء والبقاء على قيد الحياة. ومنها ما يرتبط بغايات استراتيجية لهم تطاول العمر بأكمله للفرد ومن يتولى مسؤوليته، وهو ما يتمثل في التعليم والادخار وجودة الحياة المستدامة.

في دول أخرى قد يمتد ذلك إلى المشاركة السياسية الفعالة القادرة على تغيير الأوضاع التي لا تتناسب ومصلحة المواطن. لكنّنا في هذه البلاد تعلمنا سابقاً، قبل ثورات 2011، ليس فقط أنّ حقنا في التغيير ممنوع، بل إنّه ليس من حقنا التغيير أساساً، وعندما تسنت الظروف لمثل هذا التغيير وعادت إلينا القدرة على تبيان هذا الحق قُتلنا وقُمعنا وشُتتنا، فعدنا إلى تعليمنا السابق.

في هذه الحال، يمتنع المواطن عن التخطيط أبعد من المصلحة الشخصية له ولحلقة ضيقة من حوله قد لا تتجاوز عائلته الصغيرة. وفي سعيه إلى تحقيق أهداف صغيرة توصل إلى غاية نهائية ضئيلة الحجم، يتهم غيره بأنّهم يعطلون قدرته على تحقيق تلك الأهداف ومن بعدها الغاية. لكنّ ذاك الاتهام لا يوجَّه بشكل صحيح، إذ يأخذ بعين الاعتبار النتائج وليس الأسباب.



السبب والنتيجة ربما يكونان توأمين اعتدنا التعامل معهما على هذا الأساس تبعاً للمنطق الأرسطي الذي يضع مبدأ العلّية في أسسه. وقد نبحث دائماً عن أسباب لنتائج نشهد عليها، فلا نصل أبعد من أسباب مقررة سلفاً، ونتغافل عن كون تلك الأسباب ليست سوى نتائج لأسباب أكبر في دورها. وهكذا نعجز عن تبيان السبب الحقيقي وسط مئات من الأسباب الوهمية المعلقة فوقنا. والأسوأ أنّ تلك الأسباب الوهمية ليست ساكنة بل إنّ كثيراً منها فاعل يمعن في حجب الواقع عنا - نحن الملتهين بنتائج النتائج - فنحسبها أسباباً حقيقية.

يظهر ذلك من خلال مسؤولين سياسيين نتوجه إليهم باحتجاجاتنا - حين تعود إلينا الجرأة - وقد نطالب باستقالتهم. لكنّنا نغفل عن حقيقة أنّ تلك الاستقالة لا تقدّم أو تؤخر فمن سيحلّ محلّهم لن يختلف عنهم إلّا بالقشور، والأساس هم من يضعونهم في مناصبهم بل من يضعون رؤساءهم من خلفهم.

الحملات الانتخابية الديماغوجية في لبنان التي تغدق بالوعود وتفاضل في ما بينها وبين غيرها مثال آخر على ذلك. يحسب المواطن أنّ الحلّ في الانتخابات، ويغفل عن حقيقة أنّ البرلمان نفسه ليس أكثر من نتيجة لنظام مهترئ. فأيّ تغيير في مثل هذه النتيجة لن يكون غير تغيير شكلي. أما التغيير البنيوي فهو الذي يطاول النظام السياسي نفسه - على الأقلّ - بعيداً عن قوانين انتخابية اختلفت تسمياتها وأبقت الوضع على ما هو عليه.