"جُوّانا أمل"... يمنح الدعم والرعاية لمرضى السرطان في السودان

"جُوّانا أمل"... يمنح الدعم والرعاية لمرضى السرطان في السودان

04 فبراير 2018
المناطق البعيدة والأرياف محرومة من مراكز العلاج (فيسبوك)
+ الخط -



عائلة الطفل السوداني عثمان عباس اضطرت لبيع مقتنياتها وفقدت مدخراتها لتتابع رحلة علاجه من السرطان الذي أصاب عينه منذ أكثر من أربعة أعوام. لكن مركز دعم أطفال السرطان "استراحة جُوانا أمل" فتح أبوابه جنوب العاصمة، لتوفير السكن والمتابعة الطبية والغذاء المناسب لهذا الطفل وغيره من المرضى الصغار ومرافقيهم، وذلك لتجنيبهم مشقة الانتقال والسفر من محافظات السودان البعيدة والأرياف.

أسرة عثمان البالغ من العمر اليوم ثماني سنوات تقطن في منطقة النهود بولاية غرب كردفان، التي تبعد عن الخرطوم 12 ساعة، لم تجد في منطقتها أو المناطق المجاورة مركزاً صحياً أو مستشفى لتشخيص حالة طفلها. لم تجد أمامها سوى مستشفى الأورام في الخرطوم.

يقول والد الطفل، عباس آدم لـ"العربي الجديد" "عانينا كثيراً لعدم وجود مراكز في منطقتنا، بالإضافة إلى ضعف الإمكانات المادية والضغط النفسي، وتشتت الأسرة". ويشير إلى أنه لازم طفله طيلة سنوات العلاج، وترك بقية أسرته في غرب كردفان، لافتاً إلى أنه صرف كثيراً من الأموال لعلاج ابنه، وبات بلا منزل يؤويه، وفقد كل مدخراته، حتى تعذر عليه العيش في الخرطوم ومواصلة العلاج.

لكن الطفل ووالده وجدا من يؤويهما في الخرطوم، ويقدم لهما المساعدة. إذ بادر رجال أعمال إلى تخصيص مبنى عام 2016 في ضاحية أركويت، جنوب الخرطوم، وجهزوه بكافة المعدات لاستقبال ورعاية أطفال مرضى السرطان القادمين من ولايات بعيدة.

أُطلق على المقر الذي تجول داخله "العربي الجديد" اسم "استراحة جُوانا أمل". يحتوي الطابق الأول على مكاتب إدارية ومطبخ مجهز بكافة الإمكانات لتقديم خمس وجبات مجانية للأطفال وثلاث وجبات لمرافقيهم، بالإضافة إلى توفير المكملات الغذائية، إضافة إلى مساحة ترفيهية للأطفال، وغرفتين خاصتين بعزل الأطفال بعد تلقيهم العلاج الكيميائي. ويحوي الطابق الثاني الذي خُصص للرجال المرافقين وأطفالهم خمس غرف، وصالة واسعة. أما الطابق الثالث فهو مخصص للنساء وفيه فصل خاص لتدريس الأطفال مناهج خاصة.







تُقدر دراسات رسمية أن نسبة 10 في المائة من الأطفال دون السادسة عشرة أصيبوا بالمرض في السودان. وأغلبهم أصيبوا بسرطان الدم (اللوكيميا)، ومنهم من أصيب بسرطان الغدة الليمفاوية أو سرطان شبكة العين.

ويقدر عدد الإصابات السنوية بمرض السرطان بين الكبار والصغار ما بين 14 و15 ألف إصابة. وتصل نسبة سرطان الثدي إلى 50 في المائة من جملة الإصابات السنوية، مقابل 40 في المائة لأورام البروستاتا والثدي عند الرجال، و10 في المائة لأورام الرئتين.

وعلى الرغم من تزايد الأرقام المخيفة، إلا أن ولايات السودان لا توجد فيها مراكز متخصصة لعلاج الأورام سوى ثلاثة مراكز، أكبرها في الخرطوم وآخر في ولاية الجزيرة (وسط السودان)، وثالث أقل سعة بكثير في مدينة شندي (شمال السودان).

ويوضح علم إدريس، أحد المشرفين على "استراحة جُوانا أمل"، أن الحد الأقصى الذي يمكن أن تستضيفه الاستراحة هو 35 طفلاً بمتوسط 20 إلى 30 في الأسبوع، يأتون من ولايات بعيدة ومن دولة جنوب السودان المجاورة.

وأشار إلى أن الاستراحة توفر سيارة إسعاف لنقل الأطفال إلى المستشفيات التي يتلقون فيها العلاج، في حين تتولّى الاستراحة مسؤولية دفع تكاليف الفحوصات المعملية وصور أشعة الرنين المغناطيسي وأي فحوصات يطلبها الأطباء، فضلاً عن الوجبات الغذائية التي تكلف نحو 55 ألف جينه شهرياً بواقع 104 جنيهات للطفل الواحد خلال اليوم، لافتاً إلى أن إيرادات المقر كلها تأتي من الخيرين.

كذلك لفت إدريس إلى أن منظمة "كلنا قيم"، وهي منظمة تطوعية، تتولّى الإشراف على الدار، وأن أغلب العاملين في المجال الإداري يؤدّون عملهم على سبيل التطوع.

بدوره، يقول أحمد عباس، المدير التنفيذي، إن مجموع مصاريف التشغيل خلال الشهر يبلغ نحو 88 ألف جنيه، وكثيراً ما يتعرض المركز للعجز.

خلال زيارة المقر، صودف وجود طلاب جامعيين يقدمون هدايا رمزية للأطفال، وينظمون برامج صمموها بعناية للترويح عن المرضى الصغار. وقال أحدهم من دون أن يذكر اسمه إن زيارتهم إلى المركز دائمة، من منطلق شعورهم بالواجب الاجتماعي والإنساني.



حسني محمد (36 عاماً) هو والد الطفل منيب المصاب بسرطان الدم منذ يوليو/ تموز 2017، وقد قدم من منطقة القطينة التي تبعد 90 كيلومتراً عن الخرطوم، ويقيم مع ابنه المريض في الاستراحة منذ ستة أشهر تقريباً، لإكمال علاجه الكيميائي الذي سيستمر ثلاث سنوات. كان يصعب عليه توفير السكن في الخرطوم مع ارتفاع الإيجارات وغلاء المعيشة، واليوم يجدان في الاستراحة الخدمات التي يحتاجانها.

يقول لـ"العربي الجديد" إن تكلفة التشخيص والعلاج عالية جداً، فقد اضطر إلى بيع سيارته الخاصة، وإغلاق محله التجاري حتى يتفرغ بالكامل لمرافقة ابنه، خصوصاً أن زوجته ترعى بقية أطفاله.

كذلك الحال بالنسبة لـ علي ابكر، والد الطفل ياسر، القادم من منطقة مليط على الحدود مع ليبيا والمصاب بسرطان الدم، والأب محمد آدم (65 عاماً) الذي يرافق ابنه اسماعيل (7 أعوام) ويقيمان في الاستراحة بعد قدومهما من منطقة الضعين بشرق دارفور.

وكان مدير مركز الخرطوم للعلاج بالأشعة والطب النووي، خاطر يوسف، قد كشف في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن ازدياد التردد اليومي لمرضى السرطان ووصوله لأكثر من ألف حالة يومياً. وأشار إلى أن أعداد المرضى الذين يصلون المستشفى أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، وأشار إلى أنه مقابل كل حالة مكتشفة هناك 13 حالة غير مكتشفة.

من جهةٍ أخرى، تقول الصحافية تسنيم عبد السيد المتخصصة في تغطية الشؤون الصحية، لـ"العربي الجديد"، إن غياب الخطط الواقعية لمكافحة السرطان بالبلاد، وضعف الميزانيات التي تخصصها الدولة لقطاع الصحة، وارتفاع أسعار الدواء، كلها عوامل تقلل من فرص علاج الآلاف الذين يصابون سنوياً بالمرض.


كذلك تشير إلى أن ضعف قدرات الولايات الصحية يصُعب معه الاكتشاف المبكر للإصابة، وتصل أكثر الحالات إلى المستشفى متأخرة. وتبين النقص الكبير في الكوادر الطبية المتخصصة في مجال الأورام، وضعف السعة الاستيعابية للمستشفيات. 

وتلفت أيضاً إلى أن الدولة تقدم العلاج المجاني للمصابين بمرض السرطان، إلا أن بعض أنواع المرض لا يتوفر دواؤها في المستشفيات، ما يضطر المرضى إلى شرائها بأسعار مرتفعة جداً.   

المساهمون