لمّ الشمل... جدال حقوقي في الدنمارك

لمّ الشمل... جدال حقوقي في الدنمارك

04 فبراير 2018
في إحدى الساحات العامة (العربي الجديد)
+ الخط -
ما زال قانون لمّ الشمل يثير جدلاً في الدنمارك، خصوصاً أن بنوده "المتشددة" تطاول المواطنين الدنماركيين أنفسهم، الذين قد يجدون أنفسهم عاجزين عن الإقامة وعائلاتهم في بلادهم. ويبدو أن الحكومة الدنماركية ستعيد النظر فيه

بعد شكاوى تقدّم بها مواطنون دنماركيون عانوا بسبب تشديد قوانين لمّ الشمل التي تطبّق على المهاجرين، تتّجه الحكومة الدنماركية نحو تعديل هذه الشروط. وبات يمكن للدنماركي أوفه هيلستين تنفس الصعداء، مع طرح التعديلات الجديدة، هو الذي عاش مغترباً في أميركا لعشرين عاماً. وحين عاد مع زوجته الأميركية وطفليه ليقيموا في بلده، فوجئ بأن قانون لمّ الشمل الساري على المهاجرين يسري عليه أيضاً.

ومثل أوفه، يعيش آلاف المغتربين الدنماركيين حول العالم، وتمنعهم القوانين والشروط الصعبة من العودة مع أزواجهم للإقامة في بلادهم. "الرابط القوي بالوطن" هو أحد هذه الشروط، إضافة إلى أخرى مادية، والقدرة على العمل، وتعلّم اللغة والاندماج، لمنح لم الشمل. كذلك، يجب أن يكون الإنسان "مواطناً خلال السنوات 26 الماضية"، وهو ما فرضت المحكمة الأوروبية إلغائه. إلّا أن هذا الإلغاء لم يثن حكومة يمين الوسط، خصوصاً وزيرة الهجرة والدمج إنغا ستويبرغ، عن البحث عن قوانين أخرى متشددة قبل صيف العام الحالي.

في مايو/ أيار 2016، نظرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية لمّ شمل شخص من توغو يحمل الجنسية الدنماركية منذ عام 2002 بعد رفض الدنمارك منح زوجته وهي من غانا إقامة، وحجة الرفض أنّ بإمكانه العيش معها في بلدها. قررت المحكمة الأوروبية أنّ مبدأ السنوات الست والعشرين فيه تمييز على أساس الأصل العرقي. وبعد شهر، اضطرت الوزيرة ستويبرغ إلى إلغائه (28 يونيو/ حزيران 2016) متوعدة بتشديد القانون بطريقة أخرى، وهو ما جرى بعد ذلك فعلاً.

قانون لمّ الشمل أحدث غضباً بين الدنماركيين المغتربين، والمقدرين بنحو 200 ألف، إضافة إلى أقاربهم في البلاد، وجمعيات وأحزاب سياسية. ويسأل البرلماني المحافظ ناصر خضر، في حديث لـ "العربي الجديد"، هو الذي يتفهم ويدعم تسهيل الإجراءات للدنماركيين أبناء البلاد المقيمين في الخارج: "كيف يكون ابن البلد، مثل أوفه هيلستين، ممنوعاً من الإقامة مع زوجته وأطفاله في وطنه، بينما يسمح لمن يسمى زعيم الغجر جيمي ليفاكوفيش البقاء؟ (شخص كرواتي لم تستطع المحاكم الدنماركية إخراجه من البلاد رغم كل الأحكام الجنائية الصادرة بحقه)".





وعلى خلفية الاحتجاجات المتزايدة على ما يطلق عليه "تمييز سلبي بحقّ الدنماركيين"، تستعد وزارة الهجرة اليوم إلى إدخال تعديلات على قانون لم الشمل. وتبرّر ستويبرغ تأييدها التعديلات المسهّلة حصراً للدنماركيين بالقول: "الدنماركيون في الخارج، سواء في البرازيل أو أميركا أو اليابان أو غيرها من بلدان الاغتراب، يحتاجون إلى تسهيلات"، لافتة إلى "أننا في حاجة إلى مؤهلاتهم، في وقت هناك مشكلة في الاندماج لدى بعض المجموعات التي سنصعب عليها لمّ الشمل".

أحد الشروط المتشدّدة التي ستدخلها الحكومة الدنماركية على القوانين السارية، هي ألا يكون مقدم طلب لم الشمل مقيماً في منطقة سكنية تكثر فيها المشاكل الاجتماعية (تجمعات المهاجرين). عملياً، هذا يعني أن الأجنبي المقيم في ضواح مصنفة في الدنمارك "منعزلات مهاجرين" (غيتو) لن يستطيعوا إحضار الأزواج، حتى لو استوفوا بقية الشروط".




المشرّعون الدنماركيون، والسياسيون أمثال الوزيرة ستويبرغ، يردّون على المخاوف المتعلقة بالتمييز، قائلين: "بالتأكيد، يجب أن يكون أسهل للمواطن الدنماركي في الخارج العودة مع زوجته. أما المهاجر الذي يقيم لسنوات ولا يعمل ولا يتقن اللغة ولا يشارك في المجتمع الدنماركي، ولا يساهم إيجاباً في الاقتصاد الوطني، ولا يمكنه أن يساعد على دمج الزوج/الزوجة، فإذا كان هو/ هي غير مندمج، فذلك يعني أن من يلم شمله لن يكون نشيطاً ولن يتعلم اللغة ويعيش في المجتمع الدنماركي ويساهم فيه".

القوانين السارية اليوم، قبل إدخال التعديلات، تنص على وضع ضمان مالي في المصرف بقيمة 55 ألف كرونه، واستيفاء شرط 24 سنة للزوجين كحد أدنى. أما تلك المشددة، والتي تطاول المواطنين من أصول مهاجرة حصراً، فتشمل أن يثبت المقيم أنّه تقدم إلى اختبار اللغة الدنماركية بالمستوى الثالث، وأن يكون قد أعال نفسه اقتصادياً من خلال عمل حر أو وظيفة، خلال السنوات الخمس الماضية على أقل تقدير، وأن يكون قد درس خمس سنوات على الأقل في الدنمارك. وعلى الأشخاص (الزوج أو الزوجة) القادمين من الخارج أن يجيدوا الإنكليزية، وينجحوا في اختبار اللغة الدنماركية، وأن يكون القادم من الخارج قد عمل ثلاث سنوات خلال السنوات الخمس الأخيرة في بلده، وغيرها.

وتوضح الحكومة الدنماركية أنّ هذه الشروط لن تشمل مواطنيها ومواطني الاتحاد الأوروبي واللاجئين، الذين تسري عليهم معاهدة حق لم الشمل، وشروط أخرى تخص الفترة الزمنية والسكن واللغة.



وبالنسبة للفئة الأخيرة، أي اللاجئين، يستمر حزب الشعب الدنماركي القومي المتشدد في الضغط على حكومة يمين الوسط لتبني سياسة أخرى "تلغي حق لم الشمل للاجئين، ويمكننا تبني النموذج القبرصي في هذا الاتجاه، الذي لا يمنح اللاجئين هذا الحق، سواء للأزواج أو الأطفال"، بحسب زعيم "الشعب" كريستيان دال. وترى وزارة العدل وحقوقيون أن "مزيداً من التشديد على حق لم الشمل للاجئين سيتعارض مع المعاهدات الدولية". ولا يتردد حزب الشعب في تقديم اقتراحات على لسان مقرر شؤون الهجرة في البرلمان، مارتن هينركسن، منها "الانسحاب من المعاهدات إذا كان الأمر في مصلحة الدنمارك".

المتخصصون في القوانين الدولية والأوروبية، كالبروفسور في جامعة آرهوس لويزا هالسكوف، يرون أن "أصل اشتراط إقامة اللاجئ ثلاث سنوات قبل أن يطالب بحق لم الشمل يتعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، خصوصاً الحق في الحياة الأسرية".




ولتتّضح الصورة أمام إمكانية البدء بتطبيق هذه الشروط الصعبة قبل الصيف المقبل، فإنّ يسار الوسط المعارض وحزب المحافظين يدعمانها، كما يؤكد خضر لـ "العربي الجديد". ويبقى صوت حزب "راديكال" المعارض غير مؤثر على إمكانية تمرير التعديلات بقاعدة برلمانية واسعة خلال الفترة المقبلة.

المساهمون