كوارث قطارات مصر مسلسل لا ينتهي

كوارث قطارات مصر مسلسل لا ينتهي

القاهرة

العربي الجديد

العربي الجديد
01 مارس 2018
+ الخط -

يفرك محمد عينَيه، إذ لا بدّ من البقاء متيقظاً حتى لا يفوته النزول في المحطة المقبلة، وبالتالي الوصول إلى مكان عمله في محطة للصرف الصحي. يتململ من بطء سائق القطار ويمازح أحد الركاب الذي لا يعرفه قائلاً "السواق ده حاسس إنّنا ما شبعناش نوم، فماشي على مهله علشان نكمّل نوم"... وفجأة يشعر محمد وجاره بارتطام قويّ. "افتكرت في الأوّل إنّي في كابوس وراحت عليّ نومة... لكن لقيت نفسي هنا، في مستشفى دمنهور العمومي". هذا ما يرويه الرجل الذي لم يدرك ما حدث للوهلة الأولى.

لحظات قليلة كانت كفيلة بقتل أكثر من عشرين مواطناً مصرياً دفعة واحدة وإصابة عشرات آخرين بجروح، ظهر أمس الأربعاء، في الثامن والعشرين من فبراير/ شباط المنصرم. لحظات قليلة هي كلّ ما استلزمه الأمر حتى تخرج عربتان من قطار الركّاب الذي كان يستقلّه محمد عن مسارهما وتصطدمان بقطار آخر كان متوقفاً عند محطة إيتاي البارود. ذلك القطار كان محمّلاً بالـ"طَفْلة" (حجارة صغيرة). على الأثر، أصدرت الهيئة القومية لسكك حديد مصر بياناً أعادت فيه سبب تصادم القطارين في محافظة البحيرة إلى "سقوط عجلة البوجي" من العربة الثالثة لقطار رقم 678 ركاب "إيتاي البارود - القاهرة"، طريق المناشي، وذلك أثناء مسيره في محطة أبو الخاوي، الأمر الذي أدّى إلى احتكاكها بعربة قطار طَفْلة المخزن على السكة.

ويبدو أنّ مصر باتت واحدة من أكثر الدول التي يقضي فيها أشخاص بسبب حوادث القطارات، من دون أن يهتّم أحد، وخصوصاً أنّ الفقراء هم الذين يدفعون الثمن دائماً. هو ثمن الإهمال وتقاعس الدولة عن تطوير سكك الحديد، ثمن يرى رأس الدولة أنّه بسيط، بالتالي فإنّ وضع أموال التطوير في المصارف أكثر فائدة للبلد من وجهة نظره.



آلاف هم الغلابة الذين يقعون ضحايا حوادث القطارات، هم الذين يعتمدون عليها خلال توجّههم إلى حيث يؤمّنون لقمة عيشهم، سواء في محافظة أخرى أو في مراكز المحافظة الواحدة. وهؤلاء الضحايا هم من الرجال والنساء والأطفال... من بينهم المرأة التي تحمل "العيش" البلدي والجبن والزبد والبيض لتبيعه في القاهرة، والموظف البسيط الذي يشقى لتوفير لقمة العيش، والطالب الذي يسعى إلى تحصيل علمه في الجامعة البعيدة عن المنزل.

عندما سأل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزيرَ النقل هشام عرفات في يونيو/ حزيران الماضي، عن إيرادات مرفق سكك الحديد ومصروفاته، ردّ عرفات أنّ "الفرق فظيع، إذ مصروفات التشغيل أربعة مليارات، والإيرادات ملياران اثنان". انفعل السيسي بشدّة وقال: "كلامي دايماً هتلاقوه مش مريح كده، بس دي الحقيقة، ودي اللي خلتنا دايماً مستوانا كده لأن الحقايق دايماً ما بنواجهاش كما ينبغي. تقولي أنا هصرف 10 مليار عشان أكهرب وأعمل ميكنة، العشرة مليار دول لو حطيتهم في البنك، هاخد عليهم فايدة مليار جنيه، ولو بسعر الفايدة دلوقتي هاخد 2 مليار جنيه، لما مرفق عايزله أكتر من 100 مليار جنيه لرفع كفاءته، طب الكلام ده إحنا هنسده منين، هندفع اللي هو جايبينه قرض من كوريا، وقرض من فرنسا، وقرض من هنا ومن هنا، هندفعه منين، الدولة متقدرش تدفعه". وبعد أقلّ من شهرَين على كلام السيسي، في أغسطس/ آب الماضي، قُتل 49 مصرياً وأصيب أكثر من 70 بجروح في حادث تصادم قطارَين شرق مدينة الإسكندرية.



وفي 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، تحدّث السيسي كذلك عن سكك الحديد، قائلاً إنّها "تحتاج 70 مليار جنيه (نحو أربعة مليارات دولار أميركي) لإعادة تطويرها، حتى تتلاشى الحوادث والأزمات". ولم يمرّ شهر ونصف الشهر على حديث السيسي، حتى وقعت، أمس، كارثة محافظة البحيرة.

وكما العادة بعد كلّ حادثة من هذا النوع، تعلن لجنة النقل والمواصلات في مجلس النواب عن اجتماع طارئ وتطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق برلمانية بهدف الكشف عن ملابسات الحادثة وبحث التشريعات المقترحة للتخفيف من حدّة تلك الحوادث. وينتهي الأمر عند ذلك الحد، في انتظار حادثة أخرى تحصد مزيداً من أرواح المصريين. وتشير إحصاءات غير حكومية إلى مقتل نحو ستة آلاف مصري وإصابة أكثر من 21 ألفاً آخرين بجروح، على خلفية حوادث القطارات خلال السنوات العشر الأخيرة. يأتي ذلك في حين تشير بيانات هيئة سكك الحديد إلى أنّ متوسط عدد حوادث القطارات في مصر وصل إلى 120 حادثة قطار سنوياً، بمتوسط 10 حوادث كل شهر، بينما ارتفعت في عام 2016 وحده إلى 722 حادثة.

وحادثة تصادم القطارَين في البحيرة، أمس الأربعاء، تمثّل حلقة جديدة من ضمن سلسلة طويلة من حوادث القطارات المميتة في مصر، مع العلم أنّ نحو 20 مليون مصري يستقلّون القطارات شهرياً، إذ إنّها وسيلة النقل الأنسب للفقراء نظراً إلى انخفاض تعرفتها بالمقارنة مع وسائل النقل البري المختلفة.


تجدر الإشارة إلى أنّ إدارة السيسي تستغلّ كلّ كارثة تقع في سكك الحديد، لتطرح موضوع الخصخصة من جديد. فمباشرة بعد كارثة قطار الإسكندرية التي أودت بحياة 49 مواطناً في أغسطس/ آب الماضي، أعلن الوزير هشام عرفات أمام لجنة النقل والمواصلات في مجلس النواب صراحة عن الانتهاء من تعديلات تشريعية بغرض إدخال القطاع الخاص كمشغّل ومستثمر في قطاع سكك الحديد، تمهيداً لتحرير أسعار تذاكر القطارات، على أن تُعرَض التعديلات على مجلس الوزراء بهدف إحالتها إلى البرلمان. وقال عرفات حينها إنّ هيئة سكك الحديد تحتاج إلى 10 مليارات و700 مليون جنيه (أكثر من 600 مليون دولار) سنوياً، لتطويرها، ومواجهة التدهور فيها، وهو المبلغ نفسه الذي ذكره أمام السيسي في مايو/ أيار الماضي وتهكم عليه الأخير قائلاً: "إيرادات الهيئة لا تتجاوز مليارَي جنيه (نحو 115 مليون دولار)، والعشرة مليارات دول ممكن أحطهم في البنك ويجيبو فايدة مليار ولا مليارَين!".

دلالات

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

شهدت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، موجة من السخط والدهشة، بعدما قارن حالة المصريين في ظل التردي الاقتصادي بحالة أهالي قطاع غزة.
الصورة

سياسة

كشف تحقيق لصحيفة "ذا غارديان"، الاثنين، عن أن الفلسطينيين اليائسين لمغادرة قطاع غزة يدفعون رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على مغادرة القطاع.