مواء ونباح

مواء ونباح

27 فبراير 2018
تلعب مع كلبها (وانغ هي/ Getty)
+ الخط -
ويصيرُ من غير المقبول ألّا تربّي عائلة أو فرد كلباً أو قطّة أو أكثر. وليس في هذا رأفة بالحيوانات الأليفة أو رغبة من إنقاذها من الشارع بانتظار جزّار يتصدّق عليها، أم رغبة في تعويد الأطفال على معنى الفقدان عند اقتنائها وخسارتها، ليكونوا أكثر صلابة في الحياة. حتّى الصفحات التي تعرض بيوتاً للإيجار على "فيسبوك"، تعلن عن قطة أو كلب في البيت، للراغبين في غرفة ضمن بيت مشترك مع آخرين.

من الغرابة أن يطلب طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره من والديه كلباً أو قطة (بات يعرف أن العناية بالأخيرة قد تبدو أيسر، إذ لا يتوجب إخراجها من المنزل لقضاء حاجتها)، مدعماً رغبته في امتلاك معظم أصدقائه حيوانات أليفة.

هذه الرغبة في إظهار حبّ واهتمام لحيوانات أليفة، اجتاحت أفراداً كثيرين في المجتمع اللبناني دفعة واحدة. كأنّهم كبتوا رغبتهم هذه سنوات طويلة، قبل أن تفجّرها "الموضة". نعم، كثيرون باتوا يقتنون قططاً وكلاباً في بيوتهم، ولا يهم إن كانت مساحتها صغيرة. المهم أن كلباً لطيفاً سيستقبلهم حين يرجعون إلى بيوتهم، وسيلاعب أطفالهم بدلاً منهم، ويبدي حرصه عليهم في ما يشبه التعويض العاطفي.

ويمكن قراءة العديد من المقالات حول أهمية الحيوانات الأليفة بالنسبة إلينا، بما معناه أن وجودها في حياتنا يساعد على تعزيز تقديرنا لأنفسنا وثقتنا، والحد من السلبية، والشعور بالوحدة، والدعم، وغير ذلك.

على الأغلب، نحن في حاجة إلى التأكيد لأنفسنا أننا قادرون على العيش بمفردنا، أو من دون أرواح بشرية. والعاطفة والاهتمام اللذان يبنيان توازننا في هذه الحياة، من اللحظة التي نولد فيها وحتّى لحظة رحيلنا، يمكن تعويضهما من خلال حيوانات أليفة، تعيش من أجل حبّ مربّيها، من دون أن تكون قادرة يوماً على التفوّه بكلام مؤذٍ أو جارح على سبيل المثال.



وهذا لا يُلغي أن رغبة بعضهم في اقتناء حيوانات أليفة مبنية على حبٍّ خالص، تفوق التعقيدات النفسية. وهؤلاء حوّلوا الحيوانات إلى "أطفالهم" على وسائل التواصل الاجتماعي. يلتقطون لها صوراً يرونها مميزة، وينشرونها مع تعليقات عاطفية.

وبعد هذه "الموضة"، ربّما تظهر أخرى قادرة أيضاً على دعم الناس عاطفياً. لكن في هذا الوقت، تحوّلت الحيوانات الأليفة إلى طفلٍ ثانٍ، لدى العائلات العاجزة عن إنجاب شقيق أو شقيقة للطفل الأوّل. وهذا الحيوان يقلّل من شعور الطفل الوحيد بالوحدة، ولا يحمّل الأهل أعباء مالية كبيرة.

صورة اليوم تقودنا إلى عالم فردي... عالمٌ يكفيه النباح والمواء.

المساهمون