عندما ينتهك السلاح حرمة المدارس الأميركية

عندما ينتهك السلاح حرمة المدارس الأميركية

23 فبراير 2018
تحيّة إلى أرواح ضحايا مدرسة فلوريدا (جو رايدل/Getty)
+ الخط -

في حين راح خبراء أميركيون يشدّدون على ضرورة التدريب لتفادي الأضرار الكبيرة داخل المدارس خلال عمليات القتل الجماعي، كان الرئيس الأميركي يطلق مواقف مشجّعة على حمل السلاح بطريقة أو بأخرى.

يبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصرّ دائماً على مفاجأة الجميع، لا سيّما أنّه اقترح أخيراً تسليح عدد من المدرّسين بطريقة سريّة. بالنسبة إليه، فإنّ ذلك قد يساعد في منع وقوع مجازر في المدارس، على شاكلة ما حدث خلال الأسبوع الماضي في إحدى مدارس مدينة باركلاند في ولاية فلوريدا.

وأتت تلك المفاجأة الأخيرة خلال لقاء جمع ترامب وعددا من التلاميذ الناجين من المجزرة وأحد أولياء الأمور الذين فقدوا أبناءً لهم في الواقعة. وأوضح ترامب الذي قال إنّ الإجراء المقترح لن يروق لكثيرين، أنّ التسليح يأتي بعد خضوع المدرّسين المعنيين إلى تدريب خاص. وشدّد في السياق أنّه لو كان ثمّة مدرّس واحد يجيد استخدام السلاح، لتمكّن ربّما من إنهاء الهجوم سريعاً.

ويعود حمل السلاح في الولايات المتحدة الأميركية إلى الواجهة في كلّ مرّة تقع فيها حادثة إطلاق نار، وآخرها تلك التي هزّت مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا والتي راح ضحيّتها 17 قتيلاً وعدد من الجرحى، معظمهم من التلاميذ. تجدر الإشارة إلى أنّ الحادثة ليست استثناء في البلاد حيث يُقتَل سنوياً نحو 13 ألف أميركي، بحسب ما تفيد إحصاءات مختلفة، من ضمنها إحصائية أعدّها مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) استندت إلى دراسات عدّة في السياق. وبيّنت الدراسات أنّ تلك الجرائم هي الأكثر ارتفاعاً في الدول الصناعية، الأمر الذي دفع متخصصين في المجال إلى وصف ذلك بـ"وباء السلاح في الولايات المتحدة الأميركية".


وتحاول جهات عدّة، من بينها مدارس ومتخصصون نفسيون واجتماعيون، اتخاذ خطوات وقائية للحؤول دون تفاقم الأوضاع في ظلّ غياب الإرادة السياسية الأميركية في ما يخصّ تغيير قوانين حيازة السلاح على المستوى الفدرالي، خصوصاً مع وجود عدد كبير من السياسيين الأميركيين في الكونغرس الذين يحصلون على تمويل ودعم مباشر أو غير مباشر من "لوبي السلاح" لحملاتهم الانتخابية.

يُذكر أنّ ولايات أميركية عدّة تحاول سَنّ قوانين على المستوى المحلي، لكنّ ذلك لا يؤمّن لها الحماية الكافية، إذ في إمكان أيّ مواطن اقتناء سلاح ناري بسهولة من ولاية معيّنة ونقله إلى ولاية أخرى من دون عائق. والأميركيون الذين يمثّلون نحو 4.4 في المائة من سكان العالم، يمتلكون 42 في المائة من بنادق العالم ومسدساته. وتفيد دراسة صادرة في عام 2015 عن جامعة ألاباما الأميركية بأنّ 31 في المائة من عمليات إطلاق النار الجماعي التي وقعت حول العالم ما بين عامي 1966 و2012 نُفّذت في الولايات المتحدة الأميركية وعلى أيدي مواطنين أميركيين.

إضاءة شموع عن أرواح الضحايا (جو رايدل/ Getty)

منذ وقوع مجزرة مدرسة كولومباين الثانوية في مدينة ليتلتاون في ولاية كولورادو التي وصفت بالإرهابية حتى من قبل وسائل إعلام أميركية، والتي وراح ضحيتها 13 قتيلاً وعدد من الجرحى في عام 1999، تزايد عدد المدارس التي بدأت تتخذ خطوات وقائية وتخضع من فيها إلى تدريبات طوارئ خاصة في حال وقوع حوادث مشابهة. وقد ساعدت تلك التدريبات على منع تفاقم الأوضاع أو زيادة عدد الضحايا في أكثر من عملية قتل جماعي.

لكنّ الحكومات الفدرالية المتعاقبة لم تتخذ الخطوات اللازمة لمنع تفاقم الأوضاع أو رصد الأموال لمساعدة المدارس في مواجهة تلك المخاطر أو التنسيق ووضع سياسات مشتركة للوقاية على المستوى الفدرالي. أمّا على المستوى المحلي، فقد سنّت أكثر من 32 ولاية قوانين وضعت من خلالها خطط تدريب إجبارية في المدارس لحالات الطوارئ عموماً، من قبيل نشوب حريق بالإضافة إلى إطلاق نار محتمل. وعمدت ستّ ولايات أميركية إلى سَنّ قوانين تلزم إجراء هذا النوع من التدريبات بشكل منفصل، أي في حالة طوارئ ووجود قاتل أو هجوم مسلح على المدرسة. يُذكر أنّه لا تتوفّر تعليمات وإجراءات موحّدة تتعلق بالتدريب الأفضل والأنسب، خصوصاً مع الأطفال، في مواجهة هجوم مسلح محتمل في المدرسة.

وتخضع مدارس كثيرة في تلك الولايات إلى تدريبات سنوية بمساعدة شرطي متخصص، تشمل خطوات عدّة من بينها كلمة سرّ يتفق عليها المسؤولون في المدرسة وتُطلق عبر مكبرات الصوت عند وجود مسلح أو إطلاق نار فعلي. كذلك، تشمل الإجراءات إغلاق أبواب غرف الصف ووضع حواجز من الكراسي والطاولات للحؤول دون دخول منفّذ الهجوم المسلح المحتمل مع الابتعاد عن الأبواب، أو إخلاء المدرسة وغرف الصف في حال ارتأى المدرس أو المعني أنّ الإخلاء هو الحل الأفضل بحسب التعليمات المختلفة.


من جهة أخرى، فإنّ أحد التحديات التي تواجه التدريب أو اتخاذ الحيطة والحذر من احتمال وقوع هجمات من هذا النوع، هو عدم توفّر مواصفات موحّدة أو "بروفايل" واحد للشخص أو الأشخاص الذين يرتكبون جرائم القتل الجماعي، بهدف الوقاية منها. لكنّ المؤكد بحسب الدراسات والإحصاءات أنّ مرتكبي الجرائم هم في الغالب من الرجال، وثمّة تصرّفات يمكن للمدارس مراقبتها أو توخّي الحذر عند ملاحظتها. ومنها ميول الشخص إلى العنف، ومحاولة إدخال أسلحة إلى المدرسة، والتنمّر الذي يستهدف تلاميذ آخرين، والانبهار بالأسلحة، والتنكيل بالحيوانات، وتفضيل المواضيع العنيفة في الأفلام أو وسائل الإعلام، وطرد سابق من المدرسة، وميل إلى الاكتئاب أو الانتحار.

يُذكر أنّ منفّذي تلك العمليات، قبل إقدامهم على التنفيذ، يكتبون غالباً على صفحات التواصل الاجتماعي أو يتحدّثون مع معارف لهم عن نيّتهم القيام بذلك. لكنّ الخبراء يرون أنّ توفّر صفات أو تصرفات من هذا النوع عند شخص ما، لا يعني بالضرورة أنّه سوف يقترف عملاً من هذا القبيل، غير أنّها تصرّفات ظهرت عند عدد كبير من هؤلاء الذين ارتكبوا هذا النوع من الجرائم في الولايات المتحدة الأميركية داخل المدارس.