"صندوق الموسيقى" أداة للسلام والتنمية

"صندوق الموسيقى" أداة للسلام والتنمية

03 فبراير 2018
في مخزن "صندوق الموسيقى" (العربي الجديد)
+ الخط -
تطبق منظمة بلجيكية نوعاً مختلفاً من التضامن الإنساني العالمي مع شعوب البلدان النامية ومناطق الصراعات، من خلال الموسيقى بالذات، إذ ترسل إليهم  آلات موسيقية أعيد تأهيلها

من خلال جمع الآلات الموسيقية من كل أنحاء أوروبا وإصلاحها وإرسالها من ثمّ إلى بلدان نامية أو إلى مناطق تشهد صراعات، تسعى منظمة "صندوق الموسيقى" البلجيكية إلى المساهمة بطريقتها الخاصة في التنمية الثقافية والاجتماعية لمواطني تلك البلدان وسكان تلك المناطق.

وسط مدينة مارش أون فامن، جنوبيّ بلجيكا، صار مقرّ "صندوق الموسيقى" من أعمدة المدينة، بعدما اختارت المنظمة حطّ رحالها في ذلك المبنى منذ عام 2013. عند اجتياز الباب الزجاجي للمبنى يرحب صمت بالزائر، فيتنقّل بين ورش التصليح المختلفة بعيداً عن ضوضاء بروكسل. سورين طالبة متدربة، تعمل بجدّ من أجل إصلاح قيثارة صغيرة لونها بنيّ داكن، في حين تتدلى اثنتا عشرة قيثارات من جميع الأنواع فوق رأسها. وتلك الآلات التي أتت من كل أنحاء أوروبا، تفحّصها خبراء برئاسة كريستيان بيرتمان قبل أن تصير صالحة للاستخدام من جديد. ويشير كريستيان بيرتمان إلى حزمة من الآلات وصلت حديثاً ووضعت في زاوية، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "آلات عدّة تصلنا بانتظام". ويشرح أنّه "في البداية، كان المانحون من دائرة معارفنا الأقربين، أمّا اليوم فنحن لا نعرف عنهم شيئاً. وبعض الأشخاص صاروا يدرجون صندوق الموسيقى على قائمة الزفاف الخاصة بهم لحثّ العائلة والأصدقاء على منحنا دعماً مالياً".

من جهته، يقول مؤسس الجمعية لوكاس بيرون لـ"العربي الجديد" إنّه "خلال نحو عشرة أعوام، تمكنت المنظمة من تعزيز التعاون مع مدارس الموسيقى في كلّ من فلسطين وهايتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزامبيق والمغرب والمكسيك. وقد جمعت المنظمة التي لا تبغي الربح نحو ستة آلاف آلة موسيقية من بلدان أوروبية مختلفة، جرى تصليح نصفها وإرسالها".



والمنظمة تعتمد في عملها على متطوّعين، بمن فيهم متخصصون في إصلاح مختلف الآلات الموسيقية، بينما يشتغل شخصان فقط بدوام كامل. كذلك تستضيف عدداً كبيراً من الطلاب من مختلف المدن البلجيكية للتعلّم. بحسب بيرتمان، فإنّ "هؤلاء يجدون أنفسهم في جنّة الإصلاح. هنا يمكنهم الاطلاع على كل الحالات المحتملة لهذا العمل". وهو ما تؤكده سورين التي تتحدث إلى "العربي الجديد" من دون أن ترفع عينَيها عن الآلة التي تنكبّ على تصليحها.

وقبل أن تُنقَل تلك الآلات التي جرى تصليحها إلى البلدان الهدف، فإنّها تملأ عدداً كبيراً من الرفوف في مخزن قدّمته إحدى الشركات لـ"صندوق الموسيقى"، يقع في منطقة قريبة من الحدود الفرنسية. ويقول بيرون لـ"العربي الجديد"، وهو يسير في ممرّ في الطبقة الأرضية من مبنى المخزن، إنّها "مساعدة مهمة. فنحن لن نتمكّن مالياً من تحمّل نفقات مثل هذا المكان الواسع". يُذكر أنّ عشرات الصناديق رُصفت هناك. يشير بيرون إلى أحدها: "في هذا الصندوق بيانو كبير. وقريباً سوف يُنقَل مع نحو 200 آلة أخرى إلى رام الله". ولا يخفي أنّ "ثمّة خطوات معقدة لوجستياً، ونحن نتعلم من التجربة. فخارج القارة الأوروبية، لا تتوفّر قواعد محددة تحكم هذا النوع من العمليات، لذا فإنّ الأمر يختلف في كلّ مرة". ويشرح أنّه "بعد إرسال تلك الآلات في حاويات من ميناء أنتويرب في بلجيكا، تنقل الطرود الثمينة عن طريق البحر. لكنّ التأخّر قد يقع في المراكز الجمركية سواء في غزة أو كاب هايتي أو بوكافو أو غيرها".



تجدر الإشارة إلى أنّ المنظمة تحصل على دعم كبير، سواء في ما يتعلق بالنقل أو التخزين. وبفضل شهرتها ومكانتها في مجال التعاون والتنمية، فإنّها تجذب دعماً من قبل شركات وغيرها. وهي على سبيل المثال تتلقّى مواد كثيرة كأغطية وصناديق للتوضيب. كذلك تحصل على أدوات أخرى وكتب موسيقى وما إلى ذلك. وفي بعض الأحيان، تحصل المنظمة كذلك على آلات موسيقية غير قابلة للتسويق بسبب وجود خدوش فيها وما إليها، لكن في الإمكان إصلاحها. ويؤكد بيرون: "اليوم يمكننا الاعتماد على أصدقاء كثر".

والمنظمة تعمل على إنشاء روابط بين الجهات المانحة والمستقبلين، فيوضع رمز على كل آلة موسيقية يسمح للمالكين الأصليين بتتبع آلاتهم تلك. ويوضح بيرون: "حتى ولو كان ذلك من خلال الخيال فقط، فإنّ الرمز يسمح للمانحين بأن يكونوا هم كذلك حيث هي آلاتهم". ويرى أنّه "من المهم أن تتحوّل التبرعات إلى أداة تنمية فعالة، بالتالي فإنّه من الضروري أن نذهب أبعد من مهمّة منح آلات موسيقية فحسب".

مهمّة "صندوق الموسيقى" الرئيسية هي توزيع الآلات الموسيقية، لكنّ المنظمة تستجيب كذلك لمجموعة من الطلبات الاجتماعية والثقافية. فهي تدعم مشاريع اجتماعية وفنية (نحو 20) في بلجيكا. ويلفت بيرتمان هنا إلى أنّ المنظمة "تساعد أشخاصاً يواجهون صعوبات اجتماعية واقتصادية، خصوصاً في مراكز اللاجئين، وتنظّم ورش عمل للسجناء في مجموعة من سجون البلد".


دلالات