سارة النجار... شابة "وزيرة" الإيجابية في غزة

سارة النجار... شابة "وزيرة" الإيجابية في غزة

03 فبراير 2018
تعمل مديرة إنتاج إذاعي (محمد الحجار)
+ الخط -
سارة، شابة غزية تعاني تماماً ممّا يعاني منه مواطنوها وسط الحصار والظروف المتدهورة في القطاع. لكنّ إعاقتها البصريّة تأتي لتحفّزها على الصمود رغم كلّ شيء

ترفض سارة النجار تصنيفها من بين الأشخاص ذوي الإعاقة على الرغم من أنّ لديها إعاقة بصرية، نتيجة تليّف عصبي في شبكية العين يمنعها من الرؤية على بعد أكثر من متر واحد. هي لا تشعر بضعف، إذ تعيش وسط أسرة منحتها طاقة كبيرة حتى تمضي في تعليمها، لا سيّما أنّها متفوّقة. وسارة التي تحمل شهادة في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة والتي تتابع اليوم دراستها لنيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، تحوّلت إلى شخصية ملهمة لكثيرين من الأشخاص ذوي الإعاقة ولآخرين، حتى بات اليوم لقبها "وزيرة الإيجابية".

عندما كانت في الروضة، رفضت أسرة الشابة التي تبلغ اليوم الثانية والعشرين من عمرها، أن تدرس ابنتها بحسب نظام بريل مع أطفال آخرين لديهم إعاقات بصرية. في ذلك الحين، لم تكن تدرك سارة الصغيرة أيّ شيء عن إعاقتها ولا عن عالم الأشخاص ذوي الإعاقة، وهمّها كان قضاء الوقت في اللعب مع أختها داليا، بحسب ما تقول.

بعد مرحلة الروضة، تابعت سارة تعليمها في مدرسة حكومية، معتمدة حصراً على القراءة عن قرب. بقيت على هذه الحال 11 عاماً، في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكانت تفاجئ الجميع مع معدّل 98 في المائة وما فوق. وفي نهاية الثانوية العامة حصلت على معدّل 96 في المائة.

وسارة التي كانت تعتمد في المرحلة الثانوية على عدسة مكبرة مخصصة للقراءة، تخبر أنّ "بصري يتقلص عند سطوع الشمس، في حين أرى بطريقة أفضل في المساء". وتشرح أنّ "البقعة الصفراء في عيني هي التي تتحكم في نسبة الضوء التي تدخل وتساعدني في الرؤية". تجدر الإشارة إلى أنّ الأطباء لم يتوصّلوا إلى أيّ علاج مناسب، ووالد سارة ما زال يبحث حتى اليوم عمّا يمكن فعله.

عندما اتخذت سارة قرار دراسة الصحافة والإعلام، فعلت ذلك لأنّها كانت منذ طفولتها تحب أن تصير "مذيعة ملهمة للناس". وعند تسجيلها في الجامعة الإسلامية، تابعت دراسة تخصصها في مركز التقنيات، وهو مركز متخصص يعدّ الكتب والامتحانات التي تراعي الأشخاص ذوي الإعاقة في الجامعة بمختلف إعاقاتهم. حينذاك، راحت تلاحظ نظرات العطف والشفقة التي توجَّه إليها وإلى من معها. ولأنّها لم تتحمّل السلبية، راحت تشجّع زملاءها من ذوي الإعاقة على الاندماج أكثر مع سواهم من الطلاب، إذ إنّه "من شأن ذلك أن يزيدهم قوة". وانتقلت هي لتتابع دراستها مع الطلاب الذين ليست لديهم إعاقات، وراحت تتدرب على الكتابة وكذلك العمل المصوّر. وقد أعدّت حينها تسجيلات فيديو على حلقات، في إطار برنامج يتناول الإيجابية التي يستطيع المرء صناعتها.


في القراءة، اعتمدت سارة على الهاتف الذكي، فراحت تصوّر صفحات الكتب وتلجأ إلى تكبير اللقطات لرؤية الكلمات بوضوح. كذلك، راحت تنزّل كتباً ترغب في قراءتها بصيغة "بي دي أف". وتلك الكتب تتعلق خصوصاً بالتنمية الذاتية وعلم النفس وعلم الفلك والعلوم السياسية.

بعد ذلك، راحت سارة تنقل خبرتها الحياتية وما تحصده من القراءة في برنامج إذاعي أسمته "جواهر مخفية" وتبثّه عبر "إذاعة فرسان الإرادة". وصارت تستضيف في كلّ حلقة شخصاً من ذوي الإعاقة يحمل موهبة أو له إنجاز على صعيد العمل، وهدفها من ذلك "تحفيز المستمعين". من جهة أخرى، راحت تشارك في أنشطة وفعاليات عدّة تتعلق بالقضايا الاجتماعية والإعلامية المهمة في غزة، وصارت تحظى بمشاركات فعالة.



وفي يوم من الأيام، خطر لسارة أن تنشئ "وزارة للإيجابية"، ونشرت ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي. وراحت فكرة الوزارة تنتشر إذ صارت تبث تسجيلات فيديو تحفيزية تستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك كل فئات الشبان والشابات المتأثرين بظروف قطاع غزة الاقتصادية والنفسية الصعبة. وراحت تستند إلى خبرتها في تحدّي كلّ الظروف المحيطة بها، في حين جذبت حساباتها على "فيسبوك" و"إنستغرام" وغيرهما عشرات آلاف المتابعين. وصارت الشابة تتلقى رسائل عبر حساباتها تلك، وتقدّم من ثمّ النصائح لمرسليها. هكذا تحوّلت إلى شخصية ملهمة لكثيرين.


تؤكد سارة أنّها تعيش حياتها "كأيّ شخص ليست لديه إعاقة، وهذا ما يحتاج إلى فعله الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة. يجب أن يعيشوا من دون أن يروا أنفسهم مختلفين عن المجتمع. لذا أقدّم لهم ولغيرهم تسجيلات فيديو لتحفيزيهم على الإيمان والعمل في وقت الأزمات، ولإبراز أهمية أن يصنعوا سعادتهم بأنفسهم ويديروا حياتهم".



واليوم، تعمل سارة مع جمعية الثقافة والفكر الحر في غزة، كمديرة إنتاج إذاعي. كذلك تعمل في مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بإذاعة كلاكيت التابعة للجمعية، وتدرّب شباناً وشابات على الإلقاء الإذاعي وإعداد البرامج المنوعة.

المساهمون