عالمهنّ الصغير

عالمهنّ الصغير

19 فبراير 2018
تطعم طفلها (جورج ماركس/ فرانس برس)
+ الخط -
تجيد إعداد مقلوبة الباذنجان، بل وهي أكثر من يُتقنها بالنسبة لهنّ، المجموعة الصغيرة من حولها. وفي اليوم الذي ستعدّها فيه، تتشارك وإياهنّ صور الباذنجان المقلي، قبل إرسال الصورة النهائية، ومن زوايا عدة. اللوز والصنوبر المحمّصان يغطيان الأرزّ الذي غمق لونه. حتّى صاحب محلّ الخضار عرف بنيّتها إعداد هذه الوجبة، وآخرون. رائحة البصل والقلي وصلت إلى الجارات الأكثر قرباً منها.

عالمٌ صغير. بيتٌ وأطفال وأحفاد وبعض من شخوص الشارع الأكثر حيوية. الملحمة في زاوية الشارع، ومحل الخضار، والبلاستيكيات، وأدوات التنظيف، ومحل الخياطة، وذلك الذي فتح حديثاً ويبيع معظم السلع بأسعار أقلّ من السوق، والجارات اللواتي يتعازمن على فنجان القهوة، ويتبادلن حكايات ونميمة عن فلان تزوّج فتاة بشعة، على الرغم من أنه يفوقها جمالاً، والشاب الذي يعمل في الخليج ولا يرسل المال إلى والديه. هما ليسا في حاجة إليه، لكنّه لم يكن أصيلاً، "ويا ضيعان الترباية". ثمّ إنّه لا يتوجب التضحية كثيراً من أجل الأطفال، فالحياة ستأخذهم إليها.

صغير عالمهن. ويكاد يكون ضيّقاً لكنّه يملأ تفاصيلهن وأيامهن، ويخلصن إلى أن "العمر ينتهي والعمل لا ينتهي". والعمل يعني ترتيب بيت وتنظيفه وإعداد طعام وغسل ثياب وكيّها وشراء حاجيات، ولا ننسى "الواجبات" مع الجيران والأقارب. هنّ أيضاً، ضممن الهواتف الذكية إلى هذا العالم. وعلى "واتساب" مجموعات للجيران والأقارب والأشقاء وغيرهم. مجموعات للتحايا الصباحية، والأدعية، والاكتشافات العلمية، والأحفاد، والطبخ، وعلاجات للبشرة، والذكريات.

تتكرّر جولاتهنّ في الشوارع والأحياء نفسها. لسن في حاجة إلى الابتعاد والتعرّف على آخرين. وإن وجدن من هم أفضل، تبقى خياراتهن قريبة. ربّات البيوت اللواتي يعرفن أسرار أحيائهن وجيرانهن وأقاربهن. فُلان الذي فعل وتزوج وطلّق وأنجب واشترى منزلاً وحتى قارورة غاز.

كم كان سعر كيلوغرام الخيار اليوم؟ لسوء حظّها، لم يكن رخيصاً. جارتها ظفرت بأكوام من الحشائش. وتعيد قصّة ربحها هذه مرّات ومرّات، وتصف أوراق النعناع الخضراء الكبيرة التي ينشرح القلب لها. ورائحتها، وقلب الخس...



صغير عالمهنّ وجميل. حلوٌ إذا أحببنه، وحلوٌ لأننا في حاجة إليهن، ولأنّ العالم يترك لهن مساحتهن، بلا ضوابط. وحلوٌ لأننا نزورهن في نهاية اليوم، ونفتح الثلاجات في بيوتهن، لأنها دائماً شهية ودافئة.

بسيط وصغير عالمهنّ. لا يهم. وإن أكثرن من النميمة، سنجد دفئاً في مكان ما، بعدما يكون عالمنا الكبير قد أنهكنا.

المساهمون