سلاح وفساد في مستشفيات اللاذقية

سلاح وفساد في مستشفيات اللاذقية

14 فبراير 2018
في أحد مستشفيات المدينة (يوسف قروشان/ فرانس برس)
+ الخط -

في اللاذقيّة أزمة في المستشفيات. ويتحدّث ذوو مرضى السرطان على سبيل المثال، عن أنّ ارتفاع أسعار أدوية الأمراض السرطانية يدفع مسؤولين في "مستشفى تشرين الجامعي" إلى سرقتها وبيعها خارجه.

تعيش مدينة اللاذقية السورية واقعاً صحياً متردياً، نتيجة تراجع خدمات المستشفيات الحكومية وسيطرة الفساد والرشاوى والمحسوبيات على القطاع الصحي، بالإضافة إلى زيادة عدد سكان محافظة اللاذقية، غربي سورية، في حين بقي عدد المراكز الصحية العامة ثابتاً. وهو ما بات يجبر عدداً كبيراً من السكان على التوجّه إلى القطاع الخاص على الرغم من الفقر المستشري وسط فئات واسعة من سكان المحافظة.

والمدينة الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، تضمّ ثلاثة مستشفيات حكومية رئيسية هي مستشفى تشرين الجامعي ومستشفى الأسد الجامعي التابعَين لوزارة التعليم العالي، ومستشفى الباسل التابع لوزارة الصحة، بالإضافة إلى مستشفى عسكري يؤمّن الخدمات لجرحى قوات النظام ومليشياته، إلى جانب مستشفيات خاصة متوسطة وصغيرة الحجم.

ويأتي الضغط الأكبر على أقسام أمراض القلب في مستشفيات المحافظة، بسبب عدد المرضى المراجعين ولأنّ تلك الأمراض تُعَدّ الأكثر حرجاً. مع ذلك، فإنّ تلك الأقسام هي الأسوأ حالاً. مستشفى الأسد الجامعي على سبيل المثال يعاني من أعطال مستمرة في وحدة القسطرة القلبية (تمييل القلب)، مع الإشارة إلى أنّه الوحيد الذي يقدّم علاجاً شبه مجاني إلى من يطلبه. لذا يتوجّه المرضى إلى المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج بتكاليف باهظة، خصوصاً أنّ قسطرة القلب هي أحد التدابير العلاجية الاستقصائية الأساسية للأشخاص الذين يُصابون بأزمات قلبية تعرّض حياتهم للموت.


جورج نعمة (61 عاماً) من أهالي اللاذقية، يخبر "العربي الجديد" أنّه "خلال الشهر الماضي، تعرّضت لأزمة قلبية مفاجأة وجرى نقلي إلى مستشفى الأسد الجامعي. في قسم الإسعاف (الطوارئ)، مدّوني ببعض الأدوية وبتُّ ليلتي في العناية المشددة، وفي الصباح التالي طلب الطبيب إجراء قسطرة للقلب للاطمئنان على سلامة شراييني، ففوجئ بأنّ الجهاز معطل وأنّه علينا انتظار صيانته ثم انتظار دوري، إذ إنّ 14 مريضاً مدرجة أسماؤهم على القائمة قبلي. حينها، قال لي الطبيب: بصراحة حالتك لا تحتمل الانتظار، لذا عليك التوجّه إلى مستشفى خاص. وهو ما حصل". يضيف نعمة أنّ "في المستشفى الخاص طلبوا 150 ألف ليرة سورية (نحو 330 دولاراً أميركياً) مسبقاً لقاء القسطرة. لم يتوفّر لدينا إلا نصف المبلغ، ولم تشفع بي حالتي الصحية، فلم يفتحوا لنا باب الغرفة حتى اليوم التالي حين استدان أولادي بقيّة المبلغ".

في السياق، يقول عدنان وهو طبيب مسعف في اللاذقية، تحفّظ عن ذكر هويته كاملة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأعطال المتكررة في أجهزة المستشفيات ومنها أجهزة وحدة القسطرة، تعود إلى ضغط العمل عليها وزيادة ساعات تشغيلها". يضيف أنّ "عدد سكان اللاذقية تضاعف أكثر من مرّتَين خلال الأعوام الأخيرة، في حين أنّ 50 في المائة من الحالات التي تستقبلها مستشفياتنا تأتي من خارج المحافظة، من شمالي سورية ووسطها بعد تقلّص عدد مستشفيات حلب وصعوبة الوصول إليها. من جهة أخرى، نعاني من عدم وجود فرق صيانة في المدينة، وهي تُستدعى غالباً من دمشق، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً".



من جهة أخرى، يعاني آلاف مرضى السرطان في رحلة علاجهم، بسبب النقص الكبير في الأدوية الخاصة بهم في مستشفى تشرين الجامعي، الوحيد الذي يضمّ قسماً لعلاج السرطان في المحافظة. يُذكر أنّ حكومة النظام كانت قد أصدرت قراراً إلزامياً يقضي بتقديم العلاج المجاني إلى مرضى السرطان في كل المستشفيات الحكومية في سورية.

منى (51 عاماً) من ريف حماة، مصابة بسرطان الثدي، تخبر "العربي الجديد" إنّها "مرّة أسبوعياً، أحتاج إلى جرعة دواء لا يتوفّر في الصيدليات الخاصة، كذلك يتوجّب عليّ المبيت بعده ليلة في المستشفى للخضوع إلى مراقبة. في المرة الأخيرة، قالوا لي إنّ الكمية نفدت مع أنّني كنت على القائمة، وطلبوا مني الانتظار. فتوجّهت حينها مضطرة إلى مستشفى خاص حتى لا أتأخر على موعد الجرعة، لكنّني صُعقت عند شراء الدواء إذ كُتِب على علبته: لا تباع.. مخصص لوزارة الصحة. وهذا يعني أنّهم يحرموننا منها ويجعلوننا ندفع ثمنها لنتمكّن من الاستفادة منها". تضيف منى أنّ "الجميع يعرف كيف باتت السرقة في كل مؤسسات الدولة، لكن أن يصل الأمر إلى المتاجرة بأدوية مرضى السرطان، فهذا أمر غير مقبول". وتتابع: "إذا استطعت أنا تأمين ثمن جرعتي، فإنّ مرضى كثيرين لا يستطيعون ذلك. ومعاناتي تزداد في كلّ مرة أبيت في المستشفى وأسمع قصصاً وأرى حالات تزيد همّي همّاً".

إلى ذلك، يشكو كثيرون من الكوادر الطبية العاملة في المستشفيات الحكومية من تعرّضهم لمضايقات وإجبارهم على العمل تحت تهديد السلاح. تقول سحر وهي ممرضة سابقة في قسم الإسعاف في مستشفى الباسل تحفّظت عن ذكر هويتها كاملة لـ"العربي الجديد"، إنّه "في أحيان كثيرة، يدخل مصاب أو مريض إلى قسم الإسعاف برفقة عناصر أمن مسلحين أو شبيحة، فيفرض هؤلاء على الفريق المعالج بالتهديد والوعيد وقوة السلاح ترك المرضى الآخرين وتقديم العلاج لمن معهم". تضيف أنّ "لا أحد يجرؤ على التكلم حول الموضوع في المستشفى، وقد وصل الأمر إلى درجة أن نرى السلاح في غرفة العمليات من دون أن يجرؤ أحد على إخراج حامليه". وتتابع أنّ "ثمّة أطباء يعملون في المستشفيات الحكومية يدفعون المرضى إلى التوجّه إلى المستشفيات الخاصة التي يعملون بها أو يكونون شركاء ماليين فيها، على الرغم من توفّر الأجهزة والأدوية، متحججين بالحرص على صحة المريض. في إحدى المرات، رآني أحد الأطباء وأنا أنصح عائلة بالانتظار، فهدّدني بالطرد من العمل".


من جهة أخرى، يشير الطبيب المقيم أحمد العسلي لـ"العربي الجديد" إلى "واقع الرقابة الصحية في المحافظة الذي يساهم في انتشار الرشاوى والمحسوبيات والفساد"، ويقول إنّ "حالات صحية كثيرة تتحمل مسؤوليتها الرقابة الصحية. خلال العام الماضي على سبيل المثال، توفي عدد من الأشخاص وأصيب آخرون بسبب تناولهم أسماك البالون (النفيخة) السامة التي تملأ شواطئ اللاذقية في مواسم محددة من كل عام، فيصطادها الصيادون ويبيعونها في أسواق السمك وعلى العربات الجوالة تحت أنظار محافظة اللاذقية ومكتبها الصحي، على الرغم من معرفتهم مدى ضررها وسميّتها".

ويكشف العسلي أنّ "مكتب الأمم المتحدة في دمشق وكذلك الوكالات الإنسانية الأخرى تقدّم أدوية كثيرة وتجهيزات طبية مجانية لوزارة الصحة التابعة لحكومة النظام التي يُفترَض أن توزَّع للمستشفيات الحكومية. لكنّ استشراء الفساد يؤدّي إلى بيعها في السوق السوداء، وأجزم بدراية بعض موظفي الأمم المتحدة بذلك، لكنّهم لا يتّخذون أيّ إجراءات عملية وحقيقية للحدّ من ذلك، كأنّما الأمر لا يعنيهم".

المساهمون