رقان... محرقة نووية فرنسية في صحراء الجزائر

رقان... محرقة نووية فرنسية في صحراء الجزائر

13 فبراير 2018
نصب للتذكير بالتفجيرات النووية الفرنسية جنوب الجزائر(تويتر)
+ الخط -
في 13 فبراير/شباط 1960، أي منذ 58 عاماً، شهدت منطقة رقان الواقعة في جنوب الجزائر انفجاراً نووياً هائلاً نفذته السلطات الاستعمارية الفرنسية وبلغت طاقته 60 كيلو طن. وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 1967 انسحبت فرنسا من قواعد عسكرية كانت حقلاً لسلسلة تفجيرات نووية في منطقة رقان وعين إينكر بولاية أدرار في قلب الصحراء الجزائرية، مخلفة وراءها جريمة بحق البيئة والإنسان.

من جهتها تقر الحكومة الجزائرية أن حجم الأراضي المتضررة من الإشعاعات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية يفوق المائة كيلومتر مربع، ومن الصعب إعادة الحياة إلى منطقة رقان الجنوبية ومحيطها، خصوصاً أن تأثير الإشعاعات يستمر 24 ألف عام على أقل تقدير. ونظراً إلى كون المنطقة المنكوبة صحراوية ومفتوحة فإن المواد المشعة ودقائق غبارها تسربت إلى مناطق أخرى جعلتها عرضة للتغيرات والطفرات الوراثية.

 

مناطق منكوبة


وتشير الدراسات الأولية إلى أن المناطق التي شملتها التفجيرات يصعب تحديدها، على اتساعها، من دون تعاون دولي وخبرات وطنية. خصوصاً أنها ظلت منسية نحو نصف قرن، وليس لها أرشيف أو وثائق علمية تمكن المتخصصين من مقارنة مدى تغير مستويات الإشعاع خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة. ويعتبر الخبراء أن الإقليم الصحراوي القريب من منطقة التجارب النووية يمكن اعتباره منطقة ملوثة منكوبة برمته، وتحتاج الى قياسات نوعية لمعرفة أبعاد التلوث الاشعاعي ومساحاته في عمق الصحراء.



يؤكد الباحث في الهندسة النووية عمار منصوري، في ندوة نظمت بمناسبة ذكرى التفجيرات النووية، أن "فرنسا أجرت 13 تجربة باطنية تضاف إليها أربع تجارب سطحية، وخمس تجارب استخدمت فيها مادة البلوتونيوم، و35 تجربة أخرى، وأجرت 17 تجربة نووية بين عامي 1960 و1966". ويشير إلى أن الحكومة الجزائرية لم تلتفت إلى ملف الإشعاعات النوية إلا منذ عقد من الزمن تقريباً، ما صعّب معالجة الأوضاع.

ويلفت المتحدث باسم معتقلي الصحراء، نور الدين بن موهوب ، إلى أن "ضعف دراية الحكومة الجزائرية بملف الإشعاعات النووية في منطقة رقان، لم يمنعها من إنشاء محتشدات ومعتقلات نقل إليها الإسلاميون من مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة منذ مارس/آذار 1992، ما تسبب بإصابة عدد منهم بالمخلفات النووية".

 

ضحايا وأمراض وراثية وسرطانية


لا توجد إحصائيات رسمية بعدد ضحايا التفجيرات النووية تلك، لكن أولى التقديرات تعود إلى رجل دين فرنسي كان في المنطقة، يدعى برينو باريلو، أشار في تقرير كتبه أن عدد الضحايا يقدر بنحو 42 ألف جزائري بعضهم استخدموا كفئران تجارب. إلا أن وزارة الدفاع الفرنسية كشفت قبل ثلاث سنوات عن رقم رسمي قدرته بنحو 27 ألف ضحية، بمن فيهم قوات وموظفو الطاقة النووية الفرنسية، وسكان المناطق المنكوبة في رقان وتمنراست جنوبي الجزائر، دون احتساب آلاف الضحايا من الأبناء والأحفاد الذين ظهرت عليهم أمراض كامنة ووراثية ذات صلة بالإشعاع ومنها السرطان.



وظهرت الأمراض أيضاً على أفراد القوات العسكرية الجزائرية الذين استلموا القواعد والمناطق بعد انسحاب الفرنسيين منها، من دون تسليمهم أية خرائط أو مسوحات إشعاعية لوحدات الهندسة العسكرية التي استلمت القواعد النووية.

وقبل 20 عاماً أجرت جامعة وهران غربي الجزائر دراسة موثقة، أظهرت بوضوح أنواع الأمراض والسرطانات خصوصاً التي أصابت أكثر من ثلاثة أجيال من سكان منطقة رقان وأدرار، إضافة إلى التشوهات الجينية والوراثية وما سيتبعها من أمراض ذات صلة بضعف الجهاز المناعي وسرطان الدم والتشوهات الخلقية وانخفاض الخصوبة وتباعد الولادات وحالات الإجهاض والولادات المبكرة والمشوهة.

ويعتقد الباحث وأستاذ الفيزياء النووية في جامعة وهران، عبد الكاظم العبودي، أن نحو 150 ألف شخص تعرضوا لأمراض لها صلة بالإشعاعات النووية، ناهيك عن كم هائل من الحيوانات خصوصاً الإبل، إضافة إلى الثروة البيولوجية وخصوبة الأراضي والتنوع النباتي والمحاصيل والخضر وغابات النخيل. ويقول: "إنه دمار شامل للتنوع الحيوي برمته".

 

دمار شامل للبيئة والإنسان (تويتر) 



اعتراف فرنسي... والتعويضات لم تدفع

 

في يونيو/حزيران 2014، اعترفت الحكومة الفرنسية بالتجارب النووية، وأبدت موافقتها على تعويض ضحايا التجارب النوية التي أجرتها عام 1960 في الصحراء الجزائرية، وفق قانون موران. وتحاول الحكومة الجزائرية دفع نظيرتها الفرنسية إلى مناقشة قضية التعويضات، وسلمت اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية المكلفة بدراسة ملف التعويضات، ملفات للجانب الفرنسي لإقرار تعويض الجماعات والأفراد المتضررين.

صحيفة "لوموند" الفرنسية تنشر خبر التفجير النووي في رقان(فيسبوك) 



واعتبر الوزير الجزائري أن حكومة بلاده تنتظر اقتراحات الفرنسيين قبل اجتماع اللجنة المشتركة المعنية بهذا الملف، لأن الطرف الفرنسي شدد على تطبيق قانون موران. وقانون موران الصادر عام 2013 يفرض على الضحايا الجزائريين إثبات أن إصاباتهم بالأمراض السرطانية والوراثية كانت نتيجة الإشعاعات النووية، وهو أمر يصعب على الضحايا إثباته.

ويتضح أن الحكومة الفرنسية تحاول تعويض الضحايا، لكنها لا تريد تحمل مسؤوليتها في إزالة التلوث الإشعاعي في مناطق التجارب النووية في الصحراء.

ويعتقد الباحث العبودي أن "من المستحيل إزالة التلوث الإشعاعي بالكامل، لأن تجارب الدول، بما فيها الدول العظمى، في تعاملها مع مواقع دفن النفايات النووية العادية ومخلفات المفاعلات النووية لا زالت صعبة ومعقدة ومكلفة".

 

 

 

جريمة فرنسية لا تسقط بمرور الزمن



ويتابع العبودي "تعلمنا تجارب البلدان المتقدمة نووياً أن هذا العمل بجوانبه التقنية والبيئية يحتاج إلى فترة زمنية طويلة، وإمكانات مالية ضخمة، وفرق متخصصة على أعلى مستوى في المجالات الجيولوجية والكيميائية والفيزيائية والبيولوجية والطبية والبيئية"، مشيرا إلى أن "هناك خطوة أولى أساسية مطلوبة من الفرنسيين إضافة إلى اعترافهم بخطيئتهم، وهي تحديد المواقع التي أجريت فيها التجارب بدقة، وإجراء مسح إشعاعي شامل، والبدء بكشف مواقع النفايات النووية في المنطقة ومحيطها".

وأكد أن "كل ما تركه الفرنسيون في رقان وعين إينكر بولاية أدرار جنوبي الجزائر في قلب الصحراء من أجهزة ومعدات ومحطات طاقة ومطارات وطائرات، إضافة إلى المواد المشعة المباشرة تعتبر نفايات مشعة وسامة وجب تقدير مخاطرها، وفق المعايير العلمية التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة النووية".

لا تسقط الجريمة الفرنسية المحرقة النووية التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية في منطقة رقان وعين إينكر في قلب الصحراء الجزائرية مع تقادم السنوات، فمع كل جيل تبقى آثارها ماثلة للعيان ويشهد عليها تاريخ البلاد وجغرافيتها.

المساهمون