"دار الأمل" في رام الله... سجن للقاصرين بلا أبواب

"دار الأمل" في رام الله... سجن للقاصرين بلا أبواب

02 فبراير 2018
بدأت الدراسة في الدار (العربي الجديد)
+ الخط -
بدأ القاصرون الفلسطينيون المودعون في مؤسسة الإصلاح لارتكابهم جنايات وجنحاً، يتحررون من وصمة اجتماعية لطالما التصقت بهم، إذ يحظون اليوم بمدرسة تعيد تأهيلهم من خلال التعليم والتدريب وتسعى إلى دمجهم في المجتمع

بالرغم من انتهاء مدة محكوميته قبل عدة أشهر، إلاّ أنّ الفتى علاء (18 عاماً) من مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، يصرّ على زيارة "دار الأمل" وهي مؤسسة إصلاح لتوقيف الأطفال والفتية وتقع في مدينة رام الله وسط الضفة، بين الحين والآخر ويتطوع في مساعدة الأطفال والفتية المحتجزين، في المركز، كنموذج لنجاح تجربته في الفترة الأخيرة من اعتقاله والتي استمرت نحو عامين ونصف. تلك المدة أمضى منها نحو سنتين في سجن جنين وأمضى بقية حكمه في مؤسسة الإصلاح، بعد صدور قانون الأحداث الذي أقرته الحكومة الفلسطينية قبل عامين.

يؤكد علاء لـ"العربي الجديد" أنّ تجربته في "دار الأمل" تركت أثراً طيباً في حياته، بل هي أفضل أيام حياته، وليست فقط في فترة اعتقاله فحسب بل في ما بعدها. هناك أدرك أهمية إكمال تعليمه، هو الآن يسعى للحصول على شهادة الثانوية العامة، بالإضافة إلى إمضائه في الدار أوقاتاً جميلة، فقد شارك في بطولة للفروسية، وكوّن صداقات مع المحتجزين والأساتذة والمشرفين على "دار الأمل" كما تمكن من الحصول على تخفيف حكم من ثلاث سنوات إلى سنتين ونصف لحسن سلوكه.


تجربة علاء لم تكن الوحيدة، بل هناك العديد من الأطفال والفتية الموقوفون ممن دخلوا إلى "دار الأمل" تحسنت ظروفهم الحياتية، إذ يوضح الفتى خالد (17 عاماً) وهو من سلفيت، شمال الضفة، أنّه دخل إلى الدار ولم يكن يكتب ويقرأ بشكل جيد، ولم يكن ملتحقاً بالمدرسة قبل احتجازه، أما الآن وبعد عام على احتجازه في الدار، تحسنت حالته التعليمية بشكل لافت، ويرغب بإكمال دراسته والحصول على شهادة الثانوية العامة بعد الإفراج عنه. بعد اعتقاله، لم يكن خالد يرغب بالاختلاط ببقية الأطفال والفتية المحتجزين في "دار الأمل"، لكن بعد فترة وجيزة، تحسنت علاقته بالجميع، وأصبحت لديه صداقات. يحاول إفادة الآخرين، ويشارك في العديد من حملات التطوع وخدمة الآخرين، من خلال المؤسسة التي تحاول دمج أولئك المحتجزين في المجتمع المحلي.



منذ إقرار الحكومة الفلسطينية قانون الأحداث، و"دار الأمل" هي المؤسسة الوحيدة للذكور في الضفة الغربية. وقد توج هذا الجهد بافتتاح مدرسة داخل مبنى الدار أخيراً، بالتعاون مع مؤسسات عدة ووزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم الفلسطينيتين، ومن المفترض أن تلتزم المدرسة ببرنامج دراسي متكامل لتأهيل النزلاء.

يقول مدير "دار الأمل للرعاية والملاحظة الاجتماعية" باسل أبو زايدة لـ"العربي الجديد": "سعينا بعد إقرار قانون الأحداث، إلى الاستفادة منه وتأهيل نزلاء الدار ودمجهم، بدلاً من أن تكون داراً لسلب الحرية، ولذلك جاء افتتاح المدرسة، إذ إنّ 69 في المائة من نزلاء الدار منتسبون إلى المدارس في الأساس، فلا بد من الحفاظ على تأهيلهم، ضمن المساحة التي أعطاها القانون للقاصرين المحتجزين".



في الضفة الغربية دارا إصلاح وتأهيل للأحداث إحداهما في رام الله للذكور، والأخرى في بيت لحم للإناث، بالإضافة إلى دار في غزة. تسعى وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الشريكة إلى افتتاح مدارس أخرى في الدور، بعد افتتاح مدرسة "دار الأمل" كما يوضح وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني، إبراهيم الشاعر، لـ"العربي الجديد". يشدد الشاعر على أنّه منذ صدور قانون الأحداث الفلسطيني، هناك تغيير جوهري ونوعي بآلية عمل وهدف هذه الدور: "كانت معزولة، واليوم تنبض بالحياة، فبعدما كان يجري التعامل مع أولئك النزلاء على أنّهم مجرمون، أصبح ينظر إليهم كضحايا، نسعى إلى تمكينهم ودعمهم".

خلال العام 2017، دخل إلى "دار الأمل" 203 قاصرين، جرى احتجازهم لفترات عدة تصل إلى أكثر من سنة، وبقي منهم حالياً 16 قاصراً، منهم من عاد إلى الدار لزيارتها، وهو ما يدل على انخفاض نسبة تكرار الجريمة بين الأطفال من 30 في المائة قبل صدور قانون الأحداث، إلى 10 في المائة بعد صدور القانون.




منذ عقود تأوي "دار الأمل" الأطفال المعتقلين، وهي التي تقع على مساحة ستة دونمات ومبنى قائم بمساحة 600 متر مربع، منها غرف تعليمية وقاعة رياضية وقاعة للأنشطة وغرف للنوم، تأوي الأطفال المعتقلين. يرسلون إلى الدار بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والنيابة العامة والقضاء.

في السابق التصقت وصمة اجتماعية سلبية بنزلائها، على أنّها سجن لا يستطيع الطفل الخروج منه، أما اليوم ومنذ إصدار قانون الأحداث، فالنزيل يستثمر وقته في الزراعة والتعليم والأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، ويحاول القائمون على الدار توفير إرشاد ودعم نفسي للنزلاء ودمجهم في المجتمع المحلي.