حارس دَرَج

حارس دَرَج

07 ديسمبر 2018
الحارس الأمين على الدرج (الأناضول)
+ الخط -


في إحدى ثكنات جهاز أمني في لبنان، استغرب آمرها الجديد وقوف حارس عند دَرَج من ثلاث درجات لا أكثر، عرضه متر واحد، ويصل بين الساحة وأرضية أعلى تضم غرف الثكنة ومكاتبها وقاعاتها. هو هناك دائماً كما لو كان من حرس الشرف في القصر الجمهوري، لا يفعل شيئاً غير الوقوف في مكانه، فإذا تعب، جلس قليلاً ثم عاد إلى سيرته.

طوال أيام تنبّه الضابط الكبير إلى ذلك الحارس ولم يشأ أن يستفسر مباشرة من رتباء الثكنة المسؤولين عن توزيع الحرس، كي لا ينظر هؤلاء إليه نظرة ازدراء، فالضابط يفترض به أن يكون الأكثر فهماً على الإطلاق... هكذا تهيئ له مدرسة الضباط. درس كلّ الاحتمالات، فالحرس المسلح عند البوابات الخارجية، وهناك مخفر حال الدخول. وهناك حراس داخليون غير مسلحين أقرب إلى وظيفة الحاجب، أمام مكتب آمر الثكنة، وأمام مطعم الضباط، وأمام المخازن. إذاً، هناك مبرر لوجودهم جميعاً في تلك الأماكن، فما الذي يفعله هذا الحارس، ليس خلفه غير جدار، عند طرف الساحة ينظر إليها طوال الوقت ولا يتزحزح من مكانه؟ لم يجد الضابط جواباً، فطلب في إجراء إداري عادي أن تحضر له دفاتر الحراسة من ضمن دفاتر الدوام والإجازات والعديد والعتاد والمهام.

كانت مفاجأة له أن يجد في دفتر الحراسة خانة مخصصة لـ"حراسة الدرج". استدعى رتيب الدوام طالباً منه إيضاحات حول هذه الخانة. لم يتمكن الرتيب من الإجابة بل قال لرئيسه: "عندما تسلمت الخدمة هنا قبل ثلاثة أعوام، كانت الخانة في الدفتر. وتابعت على هذه الحال. لم أغير أو أضف أيّ خانة حراسة منذ بدأت مهامي".


احتار الضابط وطلب من الرتيب إحضار الدفاتر التي تعود إلى ما قبل بدء مهامه. بحث فيها عن الخانة فلم يجدها إلّا قبل يومين من بدء رتيب الدوام مهامه. عندها أخذ اسم رتيب الدوام السابق وسأل عنه، فتبين له أنّه تقاعد في ذلك التاريخ بالذات قبل ثلاثة أعوام. تمكن من التواصل معه في النهاية، وتمنى عليه أن يزوره في المكتب في الأيام القليلة المقبلة.

سأله الضابط عن حرس الدرج، فلم يكن يملك أيّ معلومات عن ذلك، وعندما أحضر له دفتر الدوام، وفيه اسمه وتوقيعه بالذات، تذكر الرتيب المتقاعد، وقال للضابط وهو يضحك: "معقول!؟ ما زال يحرس الدرج؟ يا سيدنا... قبل تقاعدي بأيام بنينا هذا الدرج الصغير بين الساحة والمكاتب، فعينت حارساً له بانتظار جفافه لا أكثر. يبدو أنّ الرتيب الحالي ظنّها نقطة حراسة دائمة".

لعلّها حادثة بسيطة تدخل في باب الفكاهة والتندر. ربما كان كذلك، لكنّها تطرح سؤالاً حول وظائف وهمية في إدارات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والمدنية. وظائف أعلى رتبة بكثير من حراسة درج، ولا ينشأ التعيين فيها عن خطأ غير مقصود.

دلالات

المساهمون