انتحار فيل

انتحار فيل

06 ديسمبر 2018
فيلان في كينيا (Getty)
+ الخط -
لم يلتصق لقب الفيل بجدّي الأكبر نتيجة الشبه. يقال إنه كان ضئيل الحجم، لكن كثير الحركة من مكان إلى آخر، ومن دون أصدقاء. يحبّ المياه والاستحمام كما الفيل الذي وجد وقتها، وبأعداد مقدرة في الغابات الغنية وذات التنوّع الحيوي، المحيطة بالقرى في كافة أفريقيا، من بينها السودان. وبيّنت الدراسات أن الأفيال الأفريقية تعيش في مختلف البيئات من السافانا الغنية إلى الفقيرة، وفي مناخات شبه الصحراء.

كبرنا ولم نجد من تلك الغابات غير الذكريات والحكايات ذات الطابع الأسطوري التي يتداولها الناس، وتلخّص معرفة بالحيوانات والطيور وطباعها وسلوكاتها، ما جعلنا نتسمّى بها ونقحمها في أمثالنا ومقولاتنا الشعبية في تأكيد لمقولة "الإنسان ابن بيئته"، يراقب ما حوله من حيوات ويتفاعل معها سلباً وإيجاباً، من دون أن يكون للوعي دور في هذا. ويمكن أن يعي الإنسان أن هناك قانوناً يحمي هذا الحيوان أو ذاك، وآخر يجرم قطع أنواع من الأشجار. لكنه يتعمد الخروج على القانون طمعاً، وهذا ما حدث للأفيال والغابات التي توفر لها الغذاء. الفيل الواحد يتناول نحو 136 كيلوغراماً من الحشائش يومياً، ويظل في بحث دؤوب عن طعامه. فماذا يفعل إن لم يجد ما يكفيه؟



بعد بيع موقع حديقة الحيوانات المميز قرب ملتقى النيلين الأبيض والأزرق في الخرطوم، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بُعثرت الحيوانات الباقية فيها على مواقع متفرقة من العاصمة، وكان من بينها آخر فيل رأيناه في السودان الشمالي، إذ هجرت الأفيال محمية الدندر في الجنوب الشرقي، ولم يعد لها وجود في محمية الردوم في جنوب دارفور. وما هي إلا أشهر قليلة حتى حملت الصحف نبأ انتحار الفيل، ما أثار غضب البيئيين والمعنيين بالحياة البرية وعلوم الحيوان، لتتحول القضية إلى قضية رأي عام. وتبيّن بعد التشريح أنه استعاض عن الطعام بكميات مهولة من التراب وجدت في أمعائه، واتجهت أصابع الاتهام يومها إلى القائمين على أمر ذلك الموئل الجديد، الذين تعمدوا تجويعه حتى لا يكلفهم إطعامه مالاً.

قد يقول قائل إنه ضعف الوعي، وشره البشر، وعدم فعالية القوانين الحامية مجتمعة، قد أدت إلى فقدان التنوع الأحيائي. لكن لماذا الأفيال، هي التي تشبهنا في الوعي الذاتي وإظهار التعاطف. على الرغم من ضخامة حجمها، لها قلوب رحيمة بجنسها والحيوانات الأخرى الضعيفة. ماذا لو لم تكن لها هذه الأنياب المسيلة للعاب؟ والدليل هو ما حدث للأفيال في السودان وعدد كبير من الدول الأفريقية من أجل تجارة العاج، ما دعا الاتحاد الدولي لصون الطبيعة إلى إدراج الأفيال الأفريقية ضمن الحيوانات غير المحصّنة ضد الانقراض.

(متخصّص في شؤون البيئة)

المساهمون