معدّيات النيل تغرق

معدّيات النيل تغرق

04 ديسمبر 2018
غالباً ما تعاني من حمولة زائدة (Getty)
+ الخط -
مسلسل غرق المعدّيات النيلية التي يستقلها الفقراء ومحدودو الدخل، كوسيلة مواصلات في عدد من المحافظات المصرية لعبور ضفاف نهر النيل والانتقال من منطقة إلى أخرى، ما زال مستمراً. آخر حلقاته مصرع 5 أشخاص غرقاً، وإنقاذ 20 آخرين في معدّية تنقل المواطنين من قرية بتشامى التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية، إلى قرية كوم شريك، بمركز أبو حماد في محافظة البحيرة.

المعدّية قارب صغير ومتهالك، يعتبر وسيلة مواصلات يومية، لعدد كبير من الفقراء ومحدودي الدخل والتلاميذ والطلاب. عدد ركابه لا يتجاوز 8 أشخاص، لكنّ سائق القارب الأخير حمّل 25 شخصاً، وهو ما أدى إلى غرقه ووفاة العمال الخمسة.

وهكذا ترتفع عدة أسئلة لكنها تبقى بلا إجابات، منها: إلى متى سيستمر مسلسل الإهمال والعشوائية؟ ومتى تتوقف حوادث غرق المصريين بسبب المعدّيات في النيل؟




لمحاولة الإجابة عن ذلك، فإنّ الإهمال الحكومي، وتهالك المعدّيات النهرية بحكم الزمن، والفوضى التي تحكم عملية استقدام الركاب إلى القوارب، ومحاولة سائقيها التربح قدر الإمكان، تعتبر من الأسباب الأساسية لتفاقم هذه المشكلة. معظم هذه المعدّيات غير صالح فنياً، كما لا تخضع للصيانة الدورية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها بالرغم من خطورتها لا تحمل أيّ أدوات إنقاذ، أو تلتزم بقواعد السلامة الملاحية، فيترك الركاب لمصيرهم في مواجهة الأخطار المحتملة. أما سائقو المعدّيات النهرية فهم إمّا جاهلون تماماً بأسس الملاحة النهرية، أو مراهقون متهاونون بأرواح الركاب، وهكذا يخاطرون بالركاب يومياً سعياً وراء المال، ومن دون النظر إلى مخاطر الحمولة الزائدة التي يدفع ثمنها كثيرون.

المعدّيات المتهالكة التي بات يطلق عليها اسم "معدّيات الموت" لا تنجو محافظة من محافظات النيل من كوارثها بعدما شاء الحظ العاثر لعدد من الفقراء أن تكون وسيلة نقلهم الأساسية، وهو ما يهدد حياة آلاف المواطنين. وكشفت مصادر مسؤولة أنّ هناك أكثر من 10 آلاف معدّية نهرية في نهر النيل تنقل الأهالي يومياً من محافظات إلى أخرى بين شاطئ النيل، منها أكثر من 90 في المئة غير مرخصة ولا علاقة لها باشتراطات السلامة والأمان المطلوبة، كما أنّ هناك أكثر من 70 في المئة منها متهالكة ولا تصلح للعمل في نقل الأهالي. وأضافت التقارير، أنّ هناك الكثير من تلك المعدّيات تصب موادّ بترولية في مياه النيل ما يعد كارثة صحية على حياة الأهالي، مشدداً أنه يعاقب بغرامة 100 جنيه على كل معدية مخالفة، مطالباً بضرورة وجود تعديل تشريعي لتغليظ العقوبات المناسبة تجاه المخالفين، بفرض غرامات تصل إلى 50 ألف جنيه، إلى جانب تطبيق عقوبة الحبس المشدد، كما طالب بضرورة قيام الدولة بإنشاء كباري على الطرق، بدلاً من معدّيات الأفراد التي تودي بحياة الأهالي، موضحاً أن نهر النيل يعاني من الفوضى والإهمال والعشوائية.

أما وزير الموارد المائية والريّ الأسبق المهندس حسين العطفي، فيرى أنّ ما يحدث هو جريمة في حق نهر النيل، وهو ما يتطلب إعادة هيكلة منظومة المعدّيات النيلية على أسس علمية مؤسسية تشريعية سليمة ومنظمة للاهتمام بمجرى النيل، خصوصاً أن هذا القطاع يشكل مستقبلاً واعداً للنقل النهري، ويمكن الاستثمار في مشاريع المعدّيات وغيرها من وسائل النقل، في ظلّ توافر وسائل أمان وسلامة أعلى لهذه المعدّيات، وإشراف 10 لجان فنية ومالية وإدارية تتولى مهام المراجعة والتفتيش بوزارة الريّ، مشيراً إلى أنّ حجم الاستثمار في قطاع النقل النهري حالياً أقل من 1 في المئة من إجمالي حجم نقل البضائع في مصر.




يوضح أنّ وضع منظومة النقل النهري في مصر يحتاج إلى تطوير عاجل لتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة لهذا القطاع، ووضع رقابة مشددة على كلّ المعدّيات النيلية، وفحص جميع تراخيص المعدّيات التي تعمل فوق المسطحات المائية لتبيان مدى مطابقتها مواصفات الصحة والسلامة، وذلك من خلال الكشف عن تجهيزها بأطواق وسترات نجاة ومطافئ حريق من عدمه، مع ضرورة الالتزام بالحمولة المقررة طبقاً للتراخيص الصادرة لها، وإصلاح جميع التشريعات في شأن الملاحة الداخلية والسلامة النهرية.