سيستان وبلوشستان إلى الواجهة

سيستان وبلوشستان إلى الواجهة

29 ديسمبر 2018
في بيوت الطين هذه يعيش أهالي المحافظة (داوود قهردار)
+ الخط -

يوم الثلاثاء، في 18 ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري، توفيت أربع تلميذات صغيرات نتيجة حريق وقع في مدرسة إيرانية في سيستان وبلوشستان.

فتحت حادثة الحريق الذي شبّ في حضانة ومدرسة ابتدائية في مدينة زاهدان، مركز محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، قبل فترة وجيزة، الباب واسعاً أمام نقاش المشكلات التي تعانيها هذه المحافظة الواقعة في جنوب شرق إيران والقريبة من الحدود مع باكستان وأفغانستان. ورفع بعض نوّاب تلك المحافظة أصواتهم مطالبين بحلّ مشكلاتها المتعدّدة، في حين طالب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بالتركيز أكثر على المنطقة التي تعاني إهمالاً وتهميشاً وفقراً وجفافاً وبطالة ومشكلات أخرى، متبادلين على نطاق واسع صوراً للفتيات الصغيرات اللواتي ذهبنَ ضحيّة الحريق الناجم عن إهمال.

وكان الحريق قد أدّى إلى مقتل أربع فتيات صغيرات (بحسب آخر حصيلة) تراوحت أعمارهنّ بين ستّة أعوام وسبعة، وتعرّض أخريات إلى إصابات مختلفة في حضانة ومدرسة ابتدائية للفتيات. وأعادت التحقيقات الجنائية سبب الحريق إلى تسرّب وقود من مدفأة يُمنع استخدامها في كلّ المدارس الإيرانية، فاعتقل على الأثر مدير المدرسة في حين تزايد الحديث عن الرقابة الضعيفة واتُهِمت الحكومة بعدم توفير الإمكانات اللازمة لمدارس تلك المنطقة على غرار مناطق ثانية، الأمر الذي اضطرها كما غيرها من مدارس سيستان وبلوشستان إلى استخدام ذلك النوع من وسائل التدفئة.

الجفاف واضح في كلّ مكان (داوود قهردار)

تعليقاً على ما حدث، صرّح النائب حمايت ميرزاده بأنّ ظروف تلك المدرسة غير مناسبة في الأساس لاستقبال التلاميذ وهي لا تراعي أدنى المعايير المطلوبة، مشيراً إلى أنّها تبعد 300 متر فقط عن إدارة التربية والتعليم في مدينة زاهدان، ما يعني بالنسبة إليه "غياب الرقابة بالكامل"، بحسب ما نقل عنه الموقع الإلكتروني الرسمي لمجلس الشورى الإسلامي. من جهته، حمّل نائب رئيس البرلمان علي مطهري وزارة التربية والتعليم المسؤولية كذلك، مطالباً الوزير بالاستقالة قبل أن يجرّه البرلمان إلى جلسة مساءلة قد تؤدّي إلى عزله. وأكّد مطهري أنّ الوضع السيّئ في تلك المحافظة ينطبق على كل مدارسها.

بعد وقوع الحادثة مباشرة، وجّه النائب حبيب الله دهمرده عن منطقة زابل (في المحافظة) اتهاماته إلى الحكومة ورئيس الجمهورية حسن روحاني، محذّراً من مغبّة تراجع الأوضاع في سيستان وبلوشستان حيث تكاد البنى التحتية أن تنعدم، والتي تعاني من جرّاء البطالة والعواصف الترابية والجفاف وغياب تمديدات الغاز والمياه وغيرها من المشكلات. وأوضح دهمرده أمام البرلمان أنّ سكان المحافظة صاروا مضطرين إلى مغادرتها، مشيراً إلى حركة نزوح سكاني واسعة نحو الضواحي البعيدة، بسبب غياب السياسات والخطوات العملية التي من شأنها تحسين الأوضاع وحلّ المشكلات.




في السياق نفسه، يقول النائب عن محافظة سيستان وبلوشستان، عليم يار محمدي، لـ"العربي الجديد" إنّ "المنطقة تعاني من جفاف شديد، وقد بدأت هذه المشكلة قبل نحو عقدَين، وصارت تمثّل أزمة حقيقية ومعقّدة لسكان مناطق وسط المحافظة وجنوبها". ويؤكد أنّ "السكان مضطرون إلى الهجرة نحو مدن المحافظة الرئيسية مثل زاهدان وتشابهار، بينما راح آخرون ينتقلون إلى محافظات الشمال الإيراني، وكلّ ذلك بسبب قلّة المياه. بالتالي فإنّ الهجرة والجفاف يؤدّيان إلى تبعات خطرة على الزراعة". يضيف محمدي أنّ "تلك المنطقة حدودية تعاني كذلك من مشكلات أمنية من قبيل التهديدات على الحدود مع باكستان وأفغانستان إلى جانب تهريب المخدّرات، الأمر الذي يجعل الحياة فيها صعبة على الجميع". ويرى أنّ "الحلّ يكون بإيجاد فرص عمل وبالاستثمار والتنمية، فيتشجّع السكان على البقاء، وكذلك من شأنه القضاء على التهديدات الأخرى".

تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة "إيلنا" الإيرانية كانت قد نقلت عن محمدي نفسه، تأكيده أنّ 75 في المائة من سكان سيستان وبلوشستان يعانون من جرّاء الفقر الغذائي كذلك، ويعيشون في ظروف غير ملائمة، بينما سكان قرى المحافظة لا يملكون مياهاً صالحة للشرب".

مشهد يوميّ في سيستان وبلوشستان (أحمد سعيد بور)

وفي وقت سابق من عام 2018 الذي يشرف على نهايته، أعدّت دائرة التخطيط والرقابة الاستراتيجية التابعة لوزارة الاتصالات استطلاعاً لأوضاع المحافظات الإيرانية، تبيّن من خلاله أنّ محافظة سيستان وبلوشستان من أكثر المناطق الإيرانية المحرومة، كذلك فإنّ ثمّة نمواً متزايداً في عدد سكانها بالتزامن مع زيادة نسب البطالة وانتشار المخدّرات التي تدخلها من الحدود الشرقية، إلى جانب قلة المراكز الإنتاجية والمؤسسات الصناعية والشركات الاستثمارية وتدهور الوضع الزراعي.

وأشارت نتائج الاستطلاع نفسه إلى أنّ معدّل انخفاض نسب البطالة في هذه المنطقة بالذات أتى أقلّ من بقية المناطق الإيرانية على مرّ الأعوام الفائتة، علماً أنّ عدد سكانها يقارب مليونين و800 ألف نسمة على مساحة 180 ألف كيلومتر مربّع، ما يعني أنّها تتمتع بمميّزات من قبيل الجغرافيا والأراضي المتّسعة التي تستطيع تمثيل أرضية لتطويرها، لكنّ ذلك يتطلب موازنات واهتماماً من قبل المعنيّين.




من جهته، كان مركز الإحصاء الرسمي في إيران قد نشر في فصل الربيع الماضي إحصائية أخرى بيّنت أنّ معدّل البطالة في المحافظة ارتفع في حينه بنسبة 5.9 في المائة، لتحتل سيستان وبلوشستان المرتبة الثالثة لجهة أعلى نسب بطالة في إيران بعد محافظة تشهار محال وبختياري ومحافظة كرمانشاه، مع بطالة وصلت نسبتها إلى 18.6 في المائة.