أجواء عيد لبنان تنعش قطاعات وتستثني أخرى

أجواء عيد لبنان تنعش قطاعات وتستثني أخرى والزينة تجذب الناس

25 ديسمبر 2018
يبدو أنّ الأطفال كذلك يشعرون بالأزمة! (حسين بيضون)
+ الخط -

اليوم، عيد الميلاد. لبنان من البلدان التي يتميّز بها هذا العيد برونق خاص، إذ إنّه يُعَدّ واحداً من أهمّ الأعياد المدرجة على الروزنامة الوطنية. بعيداً عن بهجته ومعانيه، تكدّر الظروف التي تمرّ بها البلاد أجواءه.

تتزامن أجواء عيدَي الميلاد ورأس السنة في لبنان هذا العام مع استمرار تعثّر تأليف الحكومة، على الرغم من أجواء التفاؤل التي سبقت العيد والتي سرعان ما تبددت. كذلك تترافق الأعياد مع تحركات مطلبية متفرقة في مناطق مختلفة، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتردي مع تراجع فرص العمل وفي ظل خوف من تدهور الوضع الاقتصادي. فالنموّ الاقتصادي لم يتجاوز اثنَين في المائة وفق أرقام وتوقعات جهات اقتصادية عدّة من بينها البنك الدولي.

وتخلق زينة الميلاد المنتشرة في الساحات والأماكن العامة بمختلف المناطق أجواء جميلة لجذب الزائرين وكسر الروتين المملّ للساحات العامة التي لا يهتم اللبنانيين بزيارتها إلا في هذه الفترة من العام، بهدف مشاهدة زينتها والتقاط الصور ذات الخلفيات الجميلة. وكما في الأعوام الماضية، ظلت شجرتا ميلاد مدينتَي بيروت وجبيل (شمال) الشجرتَين الأكثر شهرة بين أشجار العيد التي نُصبت في مختلف المناطق اللبنانية. لكنّ شجرة جبيل لم تنل الزخم نفسه الذي عرفته في الأعوام السابقة، على الرغم من أنّ البلدية اختارت هذه المرة تزيين شجرة طبيعية. في السياق، أثير جدال حول التكلفة العالية المخصصة لتزيين مدينة بيروت، في حين تركزت الزينة في ساحة الشهداء وفي شوارع المنطقة المسماة بالوسط التجاري. وعلى الرغم من أنّ للزينة دورها في تحريك العجلة الاقتصادية وجذب الزبائن إلى المقاهي والمحال في جوار الساحات، فإنّ الحركة ظلت خفيفة نسبياً في تلك الأماكن. ويظهر شارع المقاهي بالقرب من ساحة النجمة كأنّه يحاول استرجاع عزّه. تعبق في أرجائه رائحة النراجيل التي يبدو أنّ مرتادي تلك المقاهي بمعظمهم من مدخّنيها، وأنّها السلعة الأكثر طلباً هناك. ويعود كذلك مشهد السيّاح العرب في شوارع المدينة وأسواقها.

في جولة على عدد من الأسواق قبيل العيد، بدا واضحاً انعكاس الوضع الاقتصادي السيئ على حركة البيع والشراء. محال كثيرة لم تنتظر انتهاء فترة الأعياد للإعلان عن حسوماتها، بل بادرت إلى تخفيضات مشجعة بهدف جذب الزبائن في فترة الاستهلاك تلك. مع ذلك، لا يوحي المشهد بأنّ المتاجر تحقق مبتغاها، ويبرز في المشهد استمرار تهميش الأسواق الشهيرة في الشوارع لصالح المجمعات التجارية الكبرى.

أحد أسواق العيد في بيروت (حسين بيضون) 


لكنّ الأعياد تبقى، على الرغم من كل شيء، مناسبات ينتظرها أصحاب المصالح لتحقيق أرباح تحسّن موازنات عامهم قبل انتهائه. ولا يبدو المشهد سوداوياً كلياً، ويختلف إقبال الزبائن في هذه الفترة بين قطاع وآخر باختلاف الفئات التي تستهلك خدماته. على سبيل المثال، تقول إحدى العاملات في مسرح يقدم عروضاً مسرحية وغنائية مختلفة، إنّ تذاكر العروض كلها تباع في هذه الفترة. من جهتها، تخبر بائعة في أحد محال بيع الملابس أنّ عمليات البيع في الأيام الأخيرة ازدادت، لكنّ نسبتها ظلت أقل ممّا كانت بالمقارنة مع العام الفائت. في أحد محال بيع الألعاب الذي يستهدف عادة الطبقات التي تتمتّع برفاهية شراء ألعاب باهظة الثمن، أتت حركة البيع نشطة بحسب إحدى العاملات، التي لفتت إلى ارتفاع عدد ساعات عمل الموظفين فيه بهدف تلبية طلبات الزبائن.



في سياق متصل، وسط التكاليف الباهظة للسياحة الداخلية بالنسبة إلى اللبنانيين في فترة عيدَي الميلاد ورأس السنة، يتّجه آلاف منهم إلى السفر، لا سيّما إلى تركيا ومصر، لقضاء عطلهم. وإذ يشكو مسؤولون لبنانيون وتجار كبار من هذه الظاهرة التي يرون فيها ضرراً على لبنان، لا يكترث المواطنون لحسابات هؤلاء التي تتعارض وقدراتهم. كثيرون يفضّلون صرف أموالهم على السفر أياماً عدّة والاحتفال بتكلفة تساوي ما سوف يصرفونه في لبنان لقاء خدمات أقلّ بكثير. وهنا تكمن سعادة شركات السفر التي حضّرت رزمها وعروضها. وتذكر عاملة في إحدى شركات السفر أنّ العروض التي يقدّمونها للسفر إلى إسطنبول ليلة رأس السنة قد بيعت كلها، في حين بيعت كذلك تذاكر قضاء عيد الميلاد في عدد من المناطق التركية بأسعار زهيدة.

يقول نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في حديث إلى "العربي الجديد" إنّ "قطاع الفنادق شهد نمواً بطيئاً في هذا العام بلغت نسبته سبعة في المائة"، مضيفاً أنّ "النموّ جاء أقلّ ممّا كان متوقعاً". ويشرح الأشقر أنّه "كان من المتوقع أن يتراوح النمو في قطاع الفنادق ما بين 15 و20 في المائة"، معيداً السبب إلى "الأوضاع السيئة في المنطقة وإلى التوتر الأمني الذي حصل أخيراً على الحدود اللبنانية الفلسطينية والتهديدات الإسرائيلية للبنان، وكذلك إلى تعثّر تشكيل الحكومة اللبنانية". ويشير الأشقر إلى أنّ "قطاع الفنادق لا يتأثر في هذه المناسبات بالأزمة الاقتصادية الداخلية، إذ إنّها لا تعني السياح الأجانب".



وإذ يؤكد الأشقر أنّ "الفنادق في بيروت سوف تمتلئ"، يوضح أنّ "مدّة الأعياد بالنسبة إلينا سوف تتراوح ما بين ثلاثة أيام وأربعة بدلاً من 10. والامتداد الطبيعي لساحل بيروت سوف يشهد نسبة تشغيل أقل، أمّا مناطق الجبل فسوف تشهد جموداً". يضيف الأشقر أنّ "الفنادق الوحيدة التي سوف تعمل هناك هي تلك التي تمتلك صالات وإمكانيات تسمح لها بتنظيم الحفلات"، لافتاً إلى أنّ "الحضور الأبرز في الفنادق هو لسيّاح عرب من الجنسيات العراقية والأردنية والسورية والمصرية، بينما يظهر تراجع في الحضور الخليجي في مقابل نموّ كبير في عدد الأوروبيين الوافدين إلى لبنان". ولا يرى الأشقر أنّ لسياحة اللبنانيين في الخارج أثراً مهماً على حركة الفنادق، "إنّما هي تؤثر على حركة المطاعم وأماكن الحفلات". ويتابع أنّ "منذ نحو سبعة أعوام، لم نعد نشهد في الفنادق اللبنانية حفلات لفنانين لبنانيين كبار"، مع الإشارة إلى أنّ معدّل تكلفة السهرة لشخصَين مع إقامة ووجبة الفطور يبلغ نحو 300 دولار أميركي.