علامات استفهام بريئة

علامات استفهام بريئة

23 ديسمبر 2018
البحث عن إجابة للسؤال الأكبر (باري لويس/ Getty)
+ الخط -
عند الساعة الثالثة و32 دقيقة، يوم الأحد السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2018، بثت إحدى الوكالات العالمية خبراً غير معتاد للمشتركين في خدمتها الإلكترونية. الخبر الذي يحمل التاريخ واسم الوكالة في رأسه، وحقوق الطبع في ذيله، لم يكن أكثر من علامات استفهام مصطفة إلى جانب بعضها البعض في العنوان، وفي النص المؤلف من ستة أسطر.

وسط أخبار الجرائم والاعتداءات، والاحتجاجات الشعبية اقتصادية وسياسية، والزلازل والهزات والبراكين والعواصف والكوارث الطبيعية، وحوادث السير القاتلة، والاتهامات والاعتقالات، يبدو هذا الخبر بعلامات استفهامه بدلاً من الكلمات مميزاً. ولعلّ الفكرة وحدها تغري المؤمنين بنظرية المؤامرة، إذ إنّها قد تكون رسالة مشفرة مرسلة عبر الوكالة إلى أحد ما في هذا العالم، أو ربما هو اختراق من جهة ما لتمرير تلك الرسالة.

قد يذهب أحدهم أبعد من ذلك في اعتبارها رموز اتصال من حضارة أخرى في كوكب بعيد وقد وصلت بهذه الطريقة إلى كوكبنا ولم يعرها أحد اهتماماً. ربما ينظر في تلك العلامات طويلاً ويلاحظ التنميط فيها والاختلالات في مسافة كلّ سطر، وأيّ إشارات مختلفة تحيط ببعض علامات الاستفهام، كالقوسين والمزدوجين مثلاً، ولعلّه يصل إلى كشف ما لهذا الغموض إذ يحلّ تلك الرموز ليصل إلى رسالتها الخطيرة، وملخصها: "بيان رقم 1 إلى أهل الأرض: نحن آتون". وهكذا يجد نفسه يعيش في أحد أفلام هوليوود حول نهاية العالم، فيجهّز نفسه لهذا الحدث، أكان عبر محاولة الاتصال بـ"الفضائيين" واستقبالهم وإعلان ولائه لهم، أو الاستعداد لمقاومة الغزو، أو الصمود، على الأقل إلى حين الانتهاء إلى شيء ما.

الإجابة الأقرب إلى الواقع هي أنّ ذلك الخبر هو مجرد تجربة بثّ لأنظمة الوكالة، أو خطأ تقني حوّل الكلمات إلى رموز لا أكثر، كما هي الحال عندما تصلك رسالة إلكترونية مؤلفة من رموز غير مفهومة لا يمكنك قراءتها إلاّ إذا وجدت صيغة الترميز الملائمة لها.

لكنّ الخبر مع ذلك، يدعو إلى التساؤل. على الأقل، هذا ما توحي به علامات الاستفهام. والتساؤل هو: هل هذا الخبر بالذات هو الخبر الأكثر اقتراباً من الواقع، بين الكمّ اليومي من الأخبار، حول أمور نقرأها مراراً وتكراراً، ونحسب أنفسنا فاهمين لها، قارئين بين سطورها، عارفين خفاياها، مدركين مآلاتها؟




تبدو معرفتنا أقلّ بكثير مما نظنّ أو نروّج خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي. فبينما يسقط منا ضحايا كلّ يوم في تلك الأخبار، وينقلها بعضنا كواسطة، ويقرأها معظمنا، فإنّنا لا نصنع غالباً تلك الأخبار حتى حين يتحول بعضنا إلى موضوعها. مَن يصنعونها هم وحدهم الذين يعرفون كلّ أبعادها وهي أخطر بكثير من فك رموز علامات استفهام بريئة كتلك.

المساهمون