شوفيرية

شوفيرية

14 ديسمبر 2018
لا ركاب معه (جوزيف براك/ فرانس برس)
+ الخط -


عند شارة ضوئية في العاصمة اللبنانية بيروت، تتوقف السيارات على الأحمر. في مقدمتها سيارتان عموميتان (أجرة). السيارتان لا تحملان أيّ راكب. وبينما يتندر عادة سائقو العمومي ويتحدث بعضهم إلى بعض عن "الشغل الميت"، يتنبّه السائقان إلى أنّهما يعرفان بعضهما، فكان حديث سريع اعتيادي عن الشغل، لكنّه يخفي في باطنه وضعاً أخطر بكثير حول وضع المهنة وممتهنيها ككلّ.

تعبّر أغنية مرسيل خليفة "الشوفيرية"، أي سائقو الأجرة، في هذا المقطع: "شو بدك تمشي ت تمشي حتى تردّ المصريات... يا ما عم نحرق بنزين وأعصاب وزيت فرامات... والتعريفة ما بتنزاد ركّاب شغّيلة وولاد... ولو ما عاد فينا ع هالحالة" عن يوميات هؤلاء ومعاناتهم لتحصيل المدخول من الركاب واحداً تلو الآخر. لكنّ المقطع الأول أكثر تعبيراً عن السائقين الطارئين على المهنة لدواعٍ عديدة، مثل السائقين أعلاه، إذ يقول الشوفيرية: "ما خلقنا ببيستون موتير... ما حدا بيخلق شوفير... كان في عنّا أرض وزرع...".

ينظر سائقانا إلى بعضهما البعض وخلف النظرة أسف على الذات والآخر في ما وصلت إليه أوضاعه، إذ كان كلّ منهما يملك مشغلاً للخياطة قبل أقل من عام.

كثرة سيارات الأجرة في لبنان مؤشر إلى أمور عدة، منها ما يتعلق بقطاع النقل الذي لم يتمكن بعد من تأسيس قاعدة سليمة تتيح له منع الازدحام اليومي، أكان من خلال تخطيط الطرقات أو استخدام القطار والترامواي، أو حتى تفعيل شبكة النقل المشترك الحالية القائمة على الباصات كي تنتظم أوقاتها وتغطي مختلف مناطق البلاد. كذلك، هي مؤشر إلى زيادة تلوث الهواء في المدن المزدحمة، لا سيما العاصمة. لكنّها، من جهة أخرى، مؤشر إلى الفشل التنموي والركود الاقتصادي ومعهما بطالة جزء كبير من اللبنانيين.



فالأغنية تشير بوضوح إلى أنّ أحداً لم يولد سائق أجرة، بل أجبر السائقون على ذلك بعدما كانوا يملكون مصالحهم الخاصة التي دُمرت تماماً، ومداخيلهم التي تبددت، أو حتى شهاداتهم الجامعية التي لم تساعدهم في الحصول على وظيفة يطمحون إليها.

الوضع أسوأ من ذلك بكثير، إذ إنّ مهنة سائق الأجرة غير متاحة للجميع كي تستغرب من عاطل من العمل مثلاً فتسأله: "لماذا لا تعمل سائق أجرة؟". فالمطلوب سيارة سعرها لا يقلّ عن 3 آلاف دولار أميركي في أحسن الأحوال، ورخصة قيادة عمومية، ولوحة عمومية يصل سعرها في لبنان إلى 37 ألف دولار أميركي لكن يمكن استئجارها بـ250 دولاراً شهرياً. أما إذا كانت السيارة واللوحة بالإيجار فالسعر يتراوح بين 600 دولار وألف دولار شهرياً، علماً أنّ أجرة الراكب الواحد هي دولار وثلث، فـ"شو بدك تمشي ت تمشي حتى تردّ المصريات"!!؟

دلالات

المساهمون