12% من العراقيين في العشوائيات...وعجز حكومي عن إيجاد الحلول

12% من العراقيين يسكنون في العشوائيات... وعجز حكومي عن إيجاد الحلول

12 ديسمبر 2018
منازل من صفيح في العشوائيات(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -


لم تنجح خطط الحكومة العراقية وخرائط العمل التي وضعتها خلال السنوات الخمس الماضية، لحل مشكلة "العشوائيات" والتجاوزات والبيوت المخالفة لقانون الإسكان في البلاد، وأماكن البيع غير المرخصة، التي يشغلها نحو 12 في المائة من العراقيين.

وبدأت تلك العشوائيات تشكل قلقاً حكومياً وشعبياً كونها امتدت إلى غالبية محافظات "الفرات الأوسط" وهي مدن بابل وكربلاء والنجف، والجنوب التي تتمثل بالقادسية وذي قار والمثنى والبصرة وواسط، في حين حازت العاصمة بغداد على أعلى نسبة مئوية بانتشار العشوائيات، بحسب وزارة التخطيط العراقية.

ولم يشهد العراق مثل هذا الانتشار السكاني العشوائي قبل عام 2003، لكن انعدام القوانين الحكومية الرادعة، فضلاً عن ارتفاع معدلات الفقر، دفع فقراء العراق إلى الاستيلاء على الأراضي المتروكة، وشيدوا بيوتاً قليلة الكلفة بلا تخطيط هندسي أو مساحات واضحة. كما استولت الأحزاب والمليشيات المسلحة على مساحات واسعة من أراضي الدولة، وبساتين زراعية، وباعتها للعراقيين بأسعار بسيطة قياساً بالأراضي المملوكة والمقيّدة ضمن الممتلكات الخاصة لدى وزارتي الإعمار والإسكان والتخطيط.

كذلك شيدت الأحزاب الإسلامية وتحديداً "المجلس الأعلى" المقرب من إيران عشرات المجمعات التجارية في بغداد، كما وزعت المليشيات مخازن أسلحتها على الأراضي التابعة للدولة في كربلاء وأطراف العاصمة، وما بقي بيع للعراقيين لتتحول البساتين إلى بيوت متداخلة يصعب على الدولة حلّ أزمتها، حتى وصلت نسبة سكان "العشوائيات" في البلاد إلى 12 بالمائة من العراقيين.

وقال مسؤول في الأمانة العامة لمجلس العراقي، لـ"العربي الجديد": "العشوائيات انتشرت بشكل مخيف في السنوات الخمس الماضية، ووصل عدد القاطنين بأحياء العشوائيات في بغداد وحدها إلى نحو 3 ملايين عراقي، وانتزعت العشوائيات غالبية المساحات الخضراء من العاصمة، والحكومة عاجزة تماماً عن ايجاد الحلول البديلة لإزالتها وتوفير السكن البديل لشريحة واسعة من الفقراء، بسبب الفساد الكبير في مؤسسات الدولة".

ولفت إلى أن "الرئيس العراقي الجديد عادل عبد المهدي، لا ثقة لديه بأي من المسؤولين الذين من الممكن أن يعتمد عليهم لحل هذا الأمر، لأنه يعلم بالفساد والأموال التي سرقها المقاولون الذين تعاملوا مع الدولة، ثم هربوا إلى بلدان مختلفة".

وأضاف إن "سنوات التدهور الأمني والاقتصادي بعد أحداث عام 2003، أدت إلى تفاقم الأزمة مع زحف مئات الآلاف من الأسر الفقيرة من المحافظات إلى بغداد والعكس، واستغل الفقراء حتى الأبنية الحكومية والمقار العسكرية المتروكة والأراضي الزراعية، التي كانت عائدة لحكومة نظام صدام حسين"، مبيناً أن "غالبية العشوائيات تسببت بوجودها أحزاب إسلامية وأبرزها "حزب الدعوة" لنوري المالكي، ومليشيات مسلحة، مثل "جيش المهدي" التابع لمقتدى الصدر، المسؤول عن تخريب خارطة العاصمة بغداد بسبب استحداث أحياء في مناطق شرق القناة بجانب الرصافة من العاصمة، كذلك أحياء المعامل والزعفرانية ومعسكر الرشيد".


400 ألف عائلة تسكن في العشوائيات

ورغم إعلان مفوضية حقوق الإنسان العراقية أخيراً عن 400 ألف عائلة عراقية تسكن "العشوائيات"، إلا أن المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، أكد أن "عدد الوحدات العشوائية أضخم مما أعلنت عنه مفوضية حقوق الإنسان"، مبيناً لـ "العربي الجديد"، أن "بغداد تحتل المركز الأول بكثرة المجمعات السكنية العشوائية، وأن أقل المحافظات في نسبة العشوائيات هي كربلاء والنجف، كما أن عدد الوحدات السكنية الخارجة عن قانون الحكومة في البلاد عموماً يبلغ أكثر من نصف مليون وحدة عشوائية، ويقدر عدد الساكنين فيها بـ3 ملايين و300 ألف عراقي، ويشكلون نسبة 12 بالمائة من سكان البلاد".

وتابع أن "الانتشار المخيف للعشوائيات يعود لغياب القانون وعدم وجود جهة تردع المتجاوزين، لا سيما أن غالبية الأراضي التي شيُدت عليها المنازل تابعة للدولة وبعضها الآخر ممتلكات خاصة، فضلاً عن الشح الكبير بمشاريع سكن جديدة تتناسب وارتفاع الكثافة السكانية، والعراق بحاجة اليوم إلى 3 ملايين وحدة سكنية، والبلاد لم تشهد منذ ثمانينيات القرن الماضي أي مشاريع تخدم المواطنين بما يتعلق بالسكن، وما تم إنجازه بعد عام 2003 قليل جداً".

ولفت إلى أن "وزارة التخطيط وضعت عام 2016 خارطة طريق لحل الظاهرة المستفحلة، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وكانت تقوم على محورين، الأول هو منع انتشار العشوائيات من خلال تطبيق القوانين الرادعة، والثاني يتمثل بمعالجة المشكلة عبر تأهيل العشوائيات نفسها في حال عدم تجاوزها على تصميم المدن وتحويلها إلى مجمعات سكنية مع تمليك الأراضي".

واقع الإسكان في بغداد والبصرة

ومن بغداد، قال عضو المجلس المحلي في العاصمة، علي جعفر، إن "عصابات متنفذة على علاقة بالحكومة، تتحكم بالأراضي الزراعية والبساتين، وحولتها إلى أراض سكنية وباعتها دون العودة إلى الحكومة، وهذا الأمر هو الأكثر تأثيراً على انتشار الوحدات السكنية العشوائية في بغداد". ورأى ان "الحكومات العراقية أساءت للعراقيين ولم تخدمهم، وإن الأحزاب السياسية تعمل على التنافس للوصول إلى السلطة بشتى الطرق والأساليب، وبسبب هذا الأمر، تعاظمت نسبة المتجاوزين، بل أعطتهم الحق بتجاوزهم على الدولة والممتلكات العامة والخاصة والطرق، خصوصاً في جانب الرصافة التي كثرت فيها العشوائيات لدرجة أنه لم تعد هناك مناطق لبناء مدارس، أو ساحات فارغة لبناء مستشفيات، أو لإنجاز مشاريع دوائر حكومية".

وبيّن أن "المؤسسات الأمنية والخدمية فاسدة وفاشلة، لا سيما دوائر الماء والكهرباء والمجاري وعقارات الدولة، إذ إنها لم تتدخل نهائياً من أجل حل الأزمة، خصوصاً أن هؤلاء الساكنين في المناطق العشوائية يتجاوزون على منظومة المياه والكهرباء وأصبحوا ثقلاً على الخدمات".

أما في البصرة جنوب العراق، فأشار المسؤول المحلي في المدينة، نشأت المنصوري، إلى أن "البناء العشوائي وصل إلى 50 في المائة من مساحة المدينة، الأمر الذي أدى لتشوه شكل البصرة بالكامل، وإن أغلب ملاك الأراضي الزراعية حولوا أراضيهم إلى قطع سكنية بأسعار منخفضة، واشتروا بيوتاً راقية في بغداد، وبعضهم ترك البلاد وهاجر"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "عدم معالجة الحكومة المركزية لأزمة السكن ساعد أيضاً على انتشار العشوائيات، واتجاه المواطنين إلى الأراضي الزراعية لأنها أرخص".