بالونات مضيئة

بالونات مضيئة

05 نوفمبر 2018
البالون يجمع قطرات المطر (العربي الجديد)
+ الخط -
لن يكفّ فقراء أم محتاجون أم محتالون عن اختيار أرصفة وشارات مرورية للتسوّل أو البيع. وإذا ما اختاروا البيع هرباً من لقب متسوّل، يتعامل معهم البعض كمتسولين، وهذه حقيقة. يطلقون مجموعة من العبارات ويدعون لنا بالصحة والتوفيق وغيرها. هذه المشاهد اليومية، التي أتقنها الأطفال، ما زالت تحتفظ بالقليل من الإنسانية. وهرباً من هذا الفخ، يلجأ البعض إلى مساعدة الأطفال بما يظنون أنه أكثر فائدة لهم، فيقدمون لهم المياه أو الطعام.

وإن كان معظم الناس على قناعة بأنّ أوضاع هؤلاء ليست دائماً انعكاساً لملامحهم في الشارع، إلا أن التعاطف يبقى موجوداً. مفردات المتسولين الصغار لم تتطوّر كثيراً، لكنّهم باتوا أكثر جرأة. ولا يترددون في طلب شيء معيّن. جرأة لم تخفّف من التعاطف بالضرورة. في أحيان كثيرة، يدرك أي شخص أن المال ليس للطفل بل لعائلته أو آخرين. مع ذلك، فالتعاطف يأخذ شكلاً جديداً. لو صحّ ذلك، أقلّه ينام الأطفال باكراً بعدما أتمّوا ما هو مطلوب منهم.

باتت وجوه هؤلاء جزءاً من مشهديّة المدينة. كأن لم يعد وجودهم ولا ورودهم تُزعجنا، حتى تلك التي تصرّ على رمي ما تحمله منها داخل السيارة "لعيون حبيبة جميلة". وتصبح الوردة امتداداً لدعاء جميل، قد يجعل أي جالس خلف مقود السيارة في حال أفضل صحياً ومهنياً وعاطفياً... العناوين الأساسية التي تتحكم بأبراجنا الفلكية.

والمشهد الذي اعتدناه، ما زال جاذباً للعدسات. ملامح هؤلاء، ثيابهم، تسريحات شعرهم، حركات أجسادهم، كلّها تدعو الآخرين إلى التقاط صور لهم. لا ندري ماذا يخبّئ الزمن لهم ولنا ولصور التُقطت لهم، قبل أن يأخذ آخرون أمكنتهم على الأرصفة وإلى جانب شارات المرور. ربّما يبتكرون ما هو جديد ويبيعونه، مثل البالونات المضاءة، التي تضيء خطواتهم، وتنطفئ سريعاً مثل الأزهار.


اقــرأ أيضاً


كل ما يباع على الطرقات لا يعيش طويلاً. عمره قصير كما عمر طفولة هؤلاء الأطفال. وكأن هناك تضامناً خفيّاً بين الاثنين، يشارك فيه زبون يشتري أزهاراً أم بالونات أم ألعاباً يعرف أنها لن تعيش طويلاً، أو ربّما لن تعيش بتاتاً. هكذا نشارك جميعاً في بقاء هؤلاء الأطفال على الطرقات، ونعزّز من حاجتهم إلينا وحاجتنا إليهم، حين نمارس إنسانيتنا من خلالهم. والباقي تفاصيل.

ها نحن ننتقل من مشهد إلى آخر ونزيد العالم قصصاً قصيرة، عن إنسانية مفقودة، وأطفال بلا حقوق، ثم نغادر هذا الحيّز ونعود إلى مساحاتنا الخاصة، التي لا نجد فيها هؤلاء الأطفال، ولا دعواتهم، ولا بالوناتهم المضيئة.

المساهمون