مدن اليمن ملغومة

مدن اليمن ملغومة

29 نوفمبر 2018
من ضحايا ألغام اليمن (كريم صاحب/ فرانس برس)
+ الخط -
ما زالت المناطق اليمنية التي توقّف القتال فيها، مليئة في معظمها بالألغام، الأمر الذي يحدّ من عودة كثيرين من أهلها إلى منازلهم هناك. سامي عبد العالم، من سكان مديرية حيران التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب) والتي انتهى القتال فيها، لكنّ ذلك لم يشجّعه على العودة، يقول إنّ "المناطق المحيطة بقريتي مليئة بالألغام، لذا أفضّل البقاء نازحاً حتى تُزال الألغام"، مشيراً إلى أنّ ثمّة أشخاصاً عادوا فأصيبوا بإعاقات من جرّاء انفجار ألغام بهم.

في تعز (جنوب غرب) أصيبت فاطمة قائد من جرّاء انفجار لغم أرضي بجوار منزلها في قرية القوز، عقب توقّف المواجهات المسلحة العنيفة التي كانت تدور هناك. يقول والدها إنّ "الألغام تنتشر هنا بشكل كبير"، لافتاً إلى أنّ "قدمها اليسرى بُتِرت، بينما أصيبت قدمها اليمنى بتشوّهات من جراء انفجار لغم أرضي". يضيف أنّها "كانت ترعى الأغنام في أحد الجبال القريبة من المنزل، وكنّا نظنّ أنّ آثار الحرب انتهت إلى غير رجعة. لكنّها ما زالت تلاحقنا، وها هي ابنتي اليوم مُقعدة وغير قادرة على الحركة والعمل كالسابق". ويلفت الوالد إلى أنّ "فاطمة ليست الضحية الأولى في المنطقة ولن تكون الأخيرة ربّما"، مطالباً الحكومة اليمنية بإرسال فرق هندسية لنزع الألغام المنتشرة بكثافة في القرى.




من جهته، يقول خالد النعمي، من مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، إنّ "كثيرين من سكان القرى التي توقّفت المواجهات المسلحة فيها، لم يعودوا إلى منازلهم بسبب مخاطر الألغام. فتنقّلهم يصعب في مناطقهم ومزارعهم، لأنّها كانت مسرحاً للمواجهات".

وفي محافظة الحديدة (غرب)، قُتل سالم صغير بانفجار لغم أرضي على أحد الطرقات المتفرعة من منطقة كيلو 10 الواقعة شرقيّ مدينة الحديدة. يقول أحد أقاربه إنّ "اللغم انفجر في سيارة كانت تقلّ عددا من المدنيّين من ضمنهم سالم، ما أدّى إلى مقتله على الفور وإصابة شخص آخر". ويشير إلى أنّ "الألغام التي زُرعت في مزارع وعلى طرقات ضواحي المدينة تهدّد حياة السكان، لا سيّما الذين يعتزمون العودة إلى منازلهم ومناطقهم بعد انتهاء القتال".

في سياق متصل، يقول رئيس شعبة الهندسة العسكرية في محافظة تعز، العميد طاهر حُميد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحوثيين زرعوا الألغام بأنواعها المختلفة في مناطق التماس حول المدن، بالإضافة إلى المناطق الريفية، حيث كانوا متمركزين، ليتسببوا في سقوط ضحايا كثيرين". ويشير حُميد إلى أنّ "المناطق الأكثر تضرراً من الألغام هي مدينة تعز ومناطق الصلو والأحكوم وبني عمر وجبل حبشي ومقبنة وشمير، بالإضافة إلى منطقة راسن والوازعية وموزع والساحل الغربي من باب المندب حتى الخوخة". يضيف حُميد أنّ "الألغام تسببت في حوادث بشعة، منها انفجار لغم بحافلة تقلّ 16 مدنياً في منطقة الربيعي، وحادثة أخرى في منطقة الوازعية انفجر في خلالها لغم بمركبة على متنها 17 شخصاً، قضوا جميعهم".

وعن أنواع الألغام، يشرح حُميد أنّ "الحوثيين استخدموا الألغام التقليدية الأرضية، بالإضافة إلى الألغام الخداعية والحرارية والعبوات الناسفة التي صُنّعت محلياً، بعضها يُفجَّر عن بُعد وبعضها الآخر يُفجَّر حرارياً عند اقتراب الأفراد منه". ويلفت حُميد إلى أنّ "كميّة الألغام في مدينة تعز وضواحيها تصل إلى نحو 200 ألف لغم. وفي المناطق الساحلية في كهبوب والعمري وجبل الطوير، فقد زُرعت الألغام بشكل كبير وعشوائي". ويتابع أنّ "الألغام تكثر في محيط معسكر خالد ومعسكر العمري وفي داخلهما، وفي المنطقة من باب المندب حتى الخوخة، حيث زُرعت ألغام مغناطيسية عائمة". ويوضح أنّ "هذه الألغام تمثّل خطراً كبيراً على الصيادين اليمنيين، بالإضافة إلى خطرها على الملاحة الدولية في حال جرفتها الأمواج صوب السفن التجارية". ويؤكد حُميد أنّ الألغام تسببت في مقتل وإصابة وإعاقة أكثر من 1200 شخص في تعز، معظمهم من النساء والأطفال.

وكان البرنامج الوطني لنزع الألغام قد أكد أنّ الحوثيين أقدموا على زرع الألغام في المحافظات والمناطق التي وُجدوا فيها، ابتداءً من حجة وصعدة والجوف ومأرب وصنعاء والحديدة وعدن وتعز، وانتهاء بمحافظات الضالع وأبين ولحج والبيضاء. ولفت إلى أنّ عدد الألغام التي نُزِعت تزيد عن 310 آلاف لغم أو مقذوفات لم تنفجر، وأنّ كميات الألغام التي ما زالت تحت الأرض تقدّر بأكثر من مليون لغم وعبوة ناسفة. وفي مأرب (غرب) ما زالت تسع مديريات من أصل 14 مزروعة بالألغام، وقد انتُزِع نحو 37 ألف لغم منها. وعلى الرغم من انتزاع أكثر من 50 ألف لغم من عدن، فإنّ مناطق عدّة في خارج المدينة ما زالت مليئة بالألغام. وفي حجّة، ثمّة 11 مديرية مزروعة بالألغام من أصل 31 مديرية.




تجدر الإشارة إلى أنّ الألغام تتنوّع ما بين ألغام كبيرة تستهدف الدبابات والآليات العسكرية الكبيرة، وبين ألغام صغيرة تستهدف الأفراد، وألغام بحرية. وقضيّة الألغام تُعَدّ مشكلة مزمنة في اليمن منذ ثورة عام 1962 ضدّ الحكم الملكي، إذ إنّ عمليات زرعها توالت في خلال الحروب التي قامت في اليمن باختلافها، ولم تُنزَع إلا كمية صغيرة منها.