سوريون يخشون التجنيد الاحتياطي

سوريون يخشون التجنيد الاحتياطي

28 نوفمبر 2018
هل المطلوب أن أكون أحد البيادق الرخيصة؟(يوسف كروشان/فرانس برس)
+ الخط -

يصطاد النظام السوري المطلوبين إلى خدمة الاحتياط، بالرغم من ادعائه سابقاً أنّه أزال أسماءهم من قوائم المدعوين. هكذا يتأكد كثير من الشبان أنّ النظام خدعهم، إذ يتربص بهم على حواجزه ويكبل تحركاتهم ويعطل أعمالهم واحتمالات سفرهم

يشعر كثير من الشبان السوريين بخيبة أمل جديدة، يضمونها إلى خيباتهم المتكررة، جراء إعادة النظام إصدار دعوات للخدمة الاحتياطية بعد أيام من قرار إلغاء الدعوات التي أصدرها خلال السنوات الماضية والتي طاولت أكثر من 800 ألف شاب، برتبة صف ضباط ومجندين، إذ وقع البعض منهم بيد القوات النظامية، ومنهم من خسر مبالغ مالية مقابل الحصول على جواز سفر، وجميعهم خسروا حلم استعادة حياتهم الطبيعية.

عاد "م. ع." (38 عاماً) من شعبة التجنيد الوسيطة في دمشق، خائباً بعدما تأكد أنّ اسمه أدرج مجدداً في قوائم المدعوين للخدمة الاحتياطية. يقول لـ"العربي الجديد": "يا فرحة ما تمت، اعتقدت لبضعة أيام، أنّي سأستعيد حياتي التي حرمت منها منذ نحو أربع سنوات، بسبب امتناعي عن الخدمة الاحتياطية الذي أدى إلى ملاحقة النظام لي". يتابع: "حرمت من المبيت في منزل عائلتي، ومن وظيفتي، ومن حقي في تكوين أسرة، ومن حقي في التنقل بحرية، طوال تلك السنوات، واليوم لا أعلم إلى متى سأبقى محروماً من حقي في حياة طبيعية، فكأنّي مجرم ملاحق أو إرهابي خطير". يضيف: "ماذا عليّ أن أخدم؟ هل المطلوب أن أكون وقوداً لحرب ليست لي فيها ناقة أو جمل، وأكون أحد البيادق الرخيصة في مسرحية أصبحت مقرفة؟ أنا لا أريد أن أخدم أحداً أو أحمي أحداً، فليتركوني أعِشْ بسلام فقط".




يتابع: "عندما صدر تعميم إلغاء قوائم الاحتياط، عانيت حتى وجدت شخصاً يستطيع أن يدقق اسمي في النشرة الشرطية، مقابل خمسة آلاف ليرة سورية (10 دولارات أميركية)، لكنّ قلبي لم يطمئن فأنا أعلم أنّ الدولة لا يؤتمن جانبها، فوجدت شخصاً آخر أجرى لي تدقيق الفيش الخماسي مقابل 35 ألف ليرة (68 دولاراً)، عندها اطمأن قلبي قليلاً. أول ما فعلته زيارة منزل عائلتي وغرفتي التي اشتقت إليها كثيراً". يقول: "كنت قلقاً خلال الأيام القليلة الماضية إذ ماذا سأفعل؟ هل سأقدم أوراقي للعمل أم أسافر خارج البلاد، لكنّي غلّبت الخيار الثاني، لعلمي أنّه لا يمكن أن أشعر بالأمان في البلاد فأنا مهدد في كلّ لحظة كجميع الشبان، لكنّ الوقت لم يسعفني، فالقرار لم يدم أكثر من أسبوعين، وقد أكون أفضل من غيري فلم أخسر عشرات آلاف الليرات مقابل جواز السفر ثم منعت عنه".

صدمة "ج. س." بإعادة اسمه إلى قوائم المطلوبين للخدمة الاحتياطية، أكثر قسوة. بوجه متجهم، ينهال في حديثه إلى "العربي الجديد" بسيل من الشتائم على النظام، مستذكراً ما اعتبره تحطيماً للشبان السوريين منذ كانوا أطفالاً جراء نظام التعليم العسكري، الهادف إلى إنهاء عنفوان الشاب، وصولاً إلى مرارة الخدمة العسكرية وما تحمله من إذلال وابتزاز للشاب، وانتهاء بالخديعة الكبرى في قوائم الاحتياط. يضيف: "بمجرد إنهائي الخدمة العسكرية عام 2009، أمن لي أحد الأصدقاء فرصة عمل في دولة خليجية، وسافرت فوراً، وتزوجت بعد عام من سفري. أقامت زوجتي سنة معي ثم عادت إلى سورية بسبب غلاء المعيشة، وأصبحت تزورني ثلاثة أشهر كلّ عام. لم تكن لديّ الرغبة بالعودة إلى سورية أبداً، لكن تحت ضغط وضع أمي الصحي واشتياقي لعائلتي، قررت أن أزورهم في صيف عام 2016 بعدما حصلت على تأكيد من شعبة التجنيد أن لا اسم لي في قوائم الاحتياط، لكنّي فوجئت عند انتهاء زيارتي بعد شهرين أنّ أسمي أصبح على قائمة المطلوبين، فخسرت عملي وتأشيرة الدخول. أحسست أنّ حياتي دمرت يومها، وعانيت الكثير خلال تلك الفترة، خصوصاً على الصعيد المهني. عملت محاسباً في محل لبيع الحلويات علماً أنّي أحمل شهادة ماجستير في الجيولوجيا، ثم في صيانة الحواسيب، بدخل ضئيل".



يتابع: "بمجرد صدور قرار بإلغاء دعوات الاحتياط تواصلت مع الشركة التي كنت أعمل لديها، ورحبت بعودتي، وسارعت إلى تجديد جواز السفر الخاص بي، الذي كلفني نحو 70 ألف ليرة (136 دولاراً)، وأمنت المبلغ بصعوبة بالغة، وبالرغم من حصولي على جميع الموافقات ومنها إذن السفر من شعبة التجنيد، فوجئت عندما راجعت الجوازات بعد أسبوع لتسلم الجواز، بالشرطي يقول لي إنّ لديهم تعميماً بعدم تسليم الجوازات إلى ما بعد وصول قوائم الاحتياط الجديدة، وإنّ عليّ مراجعة شعبة التجنيد، التي كنت سمعت حينها أنّها أوقفت منح أذون السفر بشكل مؤقت، لأصدم بعد ذلك أنّ اسمي أعيد إدراجه في قوائم الاحتياط. كم تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعني علّني أرتاح من هذه الحياة في هذا البلد". يلفت إلى أنّ موقفه من الامتناع عن الخدمة الاحتياطية ما زال على حاله، فهو لن يلتحق مهما كانت النتيجة: "إذا كان الموت لا بد منه فأفضّل الموت في بلدتي وأنا أرفض الخدمة، على أن أُقتَل من دون أن أعلم لماذا، على جبهات النظام".

"ز. أ." لم يكن محظوظاً كغيره، فقد وقع في فخ إزالة دعوات الاحتياط ثم إعادتها، كما يقول شقيقه لـ"العربي الجديد": "كان أخي يعد عائلته منذ عدة سنوات أن يصحبها إلى البحر فور توقف ملاحقته بسبب امتناعه عن الخدمة الاحتياطية، وما إن تأكد أنّه بات غير ملاحق، جهزوا أنفسهم وسافروا إلى البحر، لكن في طريق عودتهم، كان اسمه في النشرة الشرطية، فاعتقل وأُخذ إلى الخدمة الاحتياطية". يقول: "اعتقال أخي بهذه الطريقة أمام أطفاله وزوجته ترك صدمة لديهم، كما ترك أثراً سلبياً لدى العائلة الكبيرة ككلّ. الدولة خدعتنا مجدداً. لا أعلم من يضع سياسة الكذب هذه. عندما كان أبي يقول لنا إنّ الدولة تكذب حتى في نشرة أخبار الطقس، كنت أعتبره نوعاً من المبالغة في التهكم، لكن بالفعل الدولة تكذب في كل شيء".




بدورهم، يذكر ناشطون، من عدة مناطق سورية، تخضع لسيطرة النظام، أنّ "كثيراً من الشبان توجهوا للحصول على جوازات سفر وأذون، عقب إلغاء قوائم الاحتياط، ما تسبب بازدحام شديد في مديريات الجوازات والمصرف العقاري حيث تدفع كفالة السفر البالغة 50 ألف ليرة (97 دولاراً) لكلّ شخص يرغب بالسفر وعمره ما بين 18 و45 عاماً".

يلفت هؤلاء إلى أنّ إعادة النظام قوائم المدعوين إلى الاحتياط، وعدم إعلانه ذلك رسمياً، ومحاولة التكتم على القوائم، واصطياد الناس، تسبب في رد فعل سلبي بين الشبان السوريين، فمن كان يفكر بالالتحاق بالخدمة العسكرية، يراجع اليوم نفسه، ويميل لمتابعة الامتناع والتهرب".

المساهمون