عائدون إلى أفغانستان رغم الحرب

عائدون إلى أفغانستان رغم الحرب

26 نوفمبر 2018
اختاروا العودة (عبدول مجيد/ فرانس برس)
+ الخط -


في خضمّ نقاشات كثيرة تدور بين الحين والآخر في أفغانستان بشأن اللاجئين الأفغان في باكستان وإيران، والعقبات التي يواجهها اللاجئون في البلدين، يبدو لافتاً تفضيلهم البقاء في باكستان وإيران بدلاً من العودة إلى الديار. كان ذلك في الماضي، إذ إنّ التطورات الأخيرة في البلدين أثرت على الكثير من هؤلاء، على رأسها الوضع الاقتصادي في إيران وتشديد الرقابة في باكستان. بالتالي، عاد البعض إلى البلاد على الرغم من المشاكل الكثيرة، والتي تبدأ بمجرّد أن تطأ أقدامهم الديار.

وتبدأ معاناة هؤلاء عند الحدود في ظل الإجراءات الصعبة التي ترهق العائدين القلقين بشأن مستقبلهم المظلم، خصوصاً أن الحرب مستمرة ويدفع المدنيون بسببها ثمناً باهظاً. وتفيد إدارة الحماية عن المواطنين بأنه خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتل 273 مدنياً وأصيب 550 آخرون. وخلال الشهر نفسه، شهد 23 إقليماً من أصل 33 إقليما أعمال عنف شديدة.

وتفيد الهيئة العامة المكلفة متابعة العملية الأميركية في أفغانستان "سيغار"، بأن 15 في المائة من المناطق التي كانت تسيطر عليها الحكومة قد انتزعتها حركة "طالبان" خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأن نفوذ طالبان يزداد، عدا عن ضعف فرص نجاح عملية السلام. يضاف إلى ما سبق البطالة والفقر المستشري في البلاد، لا سيما في المناطق الريفية البعيدة حيث تعد الزراعة مصدر الدخل الوحيد، خصوصاً زراعة نبتة الخشخاش (تستخدم لصناعة الأفيون). هذه الزراعة تأثرت أيضاً بفعل المعارك المستمرة، خصوصاً في الجنوب.




في سياق متصل، بات الطقس بارداً وتشهد مناطق عدة هطول أمطار وثلوج، لا سيما في الشمال. ويعاني سكان تلك المناطق بسبب البرد الشديد وغلاء وسائل التدفئة، وقد ارتفعت أسعار الوقود والحطب مؤخراً. كذلك فإنّ مناطق أفغانستان بمعظمها باتت محرومة من التيار الكهربائي، ما يجعل الأهالي غير قادرين على استخدام وسائل التدفئة. في مناطق الأقاليم الشرقية الثلاث (ننجرهار وكنر ولغمان)، قطعت طالبان التيار الكهربائي. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لم تتمكن الحكومة والزعامات القبلية من إقناع طالبان وبعض القبائل في حل الأزمة. في النتيجة، بقيت الأقاليم محرومة من الكهرباء.

وفي خضم كل تلك المشاكل، وعلى الرغم من تخلف الحكومة عن الوفاء بالوعود التي قطعتها إزاء العائدين إلى البلاد، كمنحهم قطعة أرض وتوفير بعض الاحتياجات الأساسية وفرص عمل، يعود لاجئون أفغان إلى بلادهم، تاركين باكستان وإيران. وفي ظل التضييق الذي يعانون منه، تشهد البلاد موجة جديدة من النازحين الذين يتحملون معاناة الطريق والحدود والأوضاع في الداخل.

وزادت الموجة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في إيران، وتشديد الرقابة عليهم في باكستان. وتفيد إدارة اللاجئين في أفغانستان، في تقرير، بأنه منذ بداية العام الجاري، عاد 650 ألف لاجئ من إيران وباكستان. تضيف أن معظم هؤلاء عادوا من إيران، علماً أن عدد العائدين من باكستان ضئيل بالمقارنة مع الأعوام الماضية، بسبب تحسّن معاملة السلطات الباكستانية لهم. وتشير إلى أن الرقم كبير، لأنه جرت العادة ألّا يعود الأفغان إلى بلادهم في موسم البرد. ومنذ بداية العام وحتى الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، عاد أكثر من 630 ألف أفغاني من إيران، ونحو 27 ألف لاجئ من باكستان.

ويشير التقرير إلى أن الإدارة المحلية، بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قدمت مساعدات أولية ولازمة لـ 59 في المائة من هؤلاء، وتسعى إلى مساعدتهم في كل المجالات، ويفيد بأن معظم الذين عادوا من إيران أُخرجوا بالقوة. أما العائدون من باكستان، فقد جاؤوا طواعية لأن السلطات الباكستانية غيّرت من طريقة معاملتها للّاجئين. لكنهم قرروا العودة إلى البلاد بسبب تشديد الرقابة عليهم، إضافة إلى المشاكل التي تخلقها السلطات الباكستانية على الحدود.



وفي ما يتعلّق بالمشاكل على الحدود، يقول كفايت الله، أحد الموظفين في كابول، الذي تعيش أسرته في باكستان: "انتظرت في المرة الأخيرة يوماً كاملاً حتى تختم السلطات الباكستانية على جوازي على الحدود". يضيف: "وصلت إلى الحدود عند الساعة السابعة صباحاً، وانتظرت في الطوابير حتى المساء، وعبرت الحدود بعد صلاة المغرب"، موضحاً أن "السلطات الباكستانية تتعمّد التأخير". وقد قرّر كفايت أن يأتي بأسرته في المرة المقبلة على الرغم من البرد. ما من حل آخر لأنه لا يستطيع الاستمرار في التنقّل، وقد بات الأمر مكلفاً ومتعباً. وفي ما يتعلّق بالمساعدات التي تقدمها إدارة اللاجئين للعائدين، يقول الأفغان إنها غير كافية ولا تصل إلى الجميع، ما ينافي إدعاءات الحكومة والإدارة المحلية.

في هذا الإطار، يؤكّد محمد إبراهيم، أحد العائدين من باكستان إلى إقليم ننجرهار، أن الإدارة قدمت لهم بعض المساعدات مثل السكر والعدس والحبوب، لكنهم يحتاجون إلى مساعدات أكثر كما وعدت الحكومة، وأرضا لبناء بيوت.