أردنيات رهائن العنف الأسري

أردنيات رهائن العنف الأسري

25 نوفمبر 2018
أردنيات كثيرات ينكرنَ تعرّضهنّ للعنف (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

"باستمرار، يعمد زوجي إلى ضربي. هو صار يعتدي عليّ لأتفه الأسباب، حتى ولو كان الأمر مجرّد خلاف بسيط في الآراء". هكذا تستهلّ سعاد حديثها لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنه "بعد أشهر من زفافنا، بدأ زوجي بالتعدّي عليّ لفظياً من خلال الشتائم وغيرها من الكلام القاسي. قررت التحمّل من أجل استمرار حياتنا الزوجية، خصوصاً أنّ المجتمع الأردني ينظر بقسوة إلى المرأة المطلقة وأن زوجي موظّف حكومي يظهر بصورة لائقة أمام الجميع". وتتابع سعاد: "لم أكن أملك الشجاعة لمواجهة إهاناته وضربه في البداية، ولا سيما أنّ أسرتي طلبت مني الصبر، لعلّه يتغيّر وتتحسن تصرفاته. لكن ذلك لم يحدث".

بعد عام من الزواج، طلبت سعاد الطلاق. تقول: "الحمد لله أننا لم ننجب. لو فعلنا، ربما لم أكن لأتحلى بالشجاعة وأطلب الطلاق". وعند سؤالها عما إذ تقدمت بشكوى رسمية لدى الجهات المعنية، أو لجأت إلى مؤسسات خاصة تُعنى بشؤون النساء المعنفات، تجيب سعاد: "أهلي هم سندي. عندما أدركوا استحالة الإصلاح، وقفوا إلى جانبي. بالنسبة إليّ، طلب المساعدة من المؤسسات الرسمية أو التوعوية أو غيرها ليس أمراً صائباً. وأنا موظفة ولست في حاجة إلى مساعدة أحد".

يقول مستشار الطب الشرعي الأردني والخبير في حقوق الإنسان، الدكتور هاني جهشان، لـ"العربي الجديد"، إنه "عندما يتغاضى المجتمع والدولة صراحة أو ضمناً عن هذا النوع من العنف، فإنّ الإفلات من العقوبة لا يشجّع على الإتيان بمزيد من الاعتداءات فحسب وإنما يوجه رسالة مفادها أن مرتكب العنف ضد المرأة يقوم بعمل مقبول وعادي. وهو ما يؤدي إلى إنكار العدالة على الضحايا من نساء وأطفال، ويعزّز العلاقات العنيفة السائدة ويدعم عوامل الخطورة المولّدة للعنف في المجتمع". يضيف جهشان، أن "المسؤولية المباشرة للوقاية ولمنع العنف الأسري ومن ثم القضاء عليه، لا تقع على مؤسسات المجتمع المدني أو على الجمعيات التطوعية وإنما هي مسؤولية الحكومة ابتداءً. فالدولة هي التي تضمن الحفاظ على حقوق مواطنيها وتمتعهم بحقوقهم الإنسانية الأساسية، علماً أن العنف ضد المرأة يقوض هذه الحقوق بأغلبها".

ويوضح جهشان، أن "الإبلاغ عن العنف ضد المرأة والتحقيق فيه يأتيان فقط بنسب صغيرة، ومن ثم فعدد قليل جداً من مرتكبي هذه الجرائم يُحاسبون ويخضعون للتحقيق. والسبب يعود إلى عدم جدية الحكومة في ما يتعلق بإيجاد نظم معيارية للتبليغ وتسجيل الحالات". ويشير في السياق، إلى أن "مشروع نظام تتبع حالات العنف الأسري الإلكتروني الذي يربط القطاعات الصحية والقانونية والاجتماعية، ما زال متعثراً منذ سنوات عدّة، للأسف". ويكمل أنه "في حال افترضنا صحة الإحصاءات الرسمية المتوفرة، فإن الحالات التي يبلّغ عنها ما هي إلا نسبة ضئيلة من الواقع، ولا تعكس حقيقة انتشار العنف ضد المرأة في عموم المجتمع".




من جهتها، تقول المحامية مرام مغالسة لـ"العربي الجديد"، إن "القوانين غير كافية. عندما لا تتوفر تدابير وبدائل للمرأة المعنفة، فإن الشكوى تصعب. والمرأة، عندما تواجه العنف، فإنها تفكر في العواقب وفي البدائل المتاحة. ولعل أهم تلك البدائل هو توفّر المسكن، علماً أن توفير المسكن غير مكفول لأيّ مواطن في الأردن". تضيف مغالسة، أن "منظومة الزواج هي من أبرز أسباب العنف الواقع على المرأة. فالرجل على الأغلب، يبحث عن امرأة جميلة، فيما تبحث المرأة عن رجل يملك بيتاً وسيارة. تُضاف إلى ذلك حالات الزواج المبكر المبنيّ على أسس غير سليمة، الذي من شأنه أن يخلق أسراً مهدّمة ويشكّل بيئة حاضنة للعنف الأسري".

وتوضح مغالسة أن "16 في المئة فقط من نساء الأردن هنّ في سوق العمل، ومشكلة العنف الأسري تتفاقم عندما لا تكون المرأة متمكنة اقتصادياً. فهي لا تستطيع مواجهة العنف في ظروفها تلك". وتشير إلى أن "أهمية القوانين تكمن في القدرة على تطبيقها على أرض الواقع لا في توفرها كنصوص"، شارحة أن "ثمة أنواعاً عدّة من العنف الذي تقع الأردنيات ضحيته، منها الجسدي والجنسي والنفسي بالإهمال، والاقتصادي بعدم الإنفاق على الزوجة خصوصاً في خلال فترة الحمل". وتشدّد على "أهمية مواصلة كل الجهات العمل على توفير الظروف المناسبة التي تمكّن المرأة من مواجهة العنف، عبر تمكينها اقتصادياً وتوفير خدمات حماية الأسرة على أيدي خبراء ومختصين".

في السياق، يطالب جهشان بـ"ضرورة مواجهة أسباب عدم إفصاح النساء عن العنف الذي يتعرّضنَ له، والذي تتراوح أسبابه بين فردية واجتماعية وثقافية سائدة. فثمّة نساء يعشنَ رهائن حالة نفسية، إذ إنهن يشعرنَ بالخوف وأحياناً بالرعب من البوح بمشكلاتهنّ، فيما بعضهنّ لا يملكنَ أيّ دخل مالي فيعتمدنَ على أزواجهنّ، وفي حين أن أخريات هن أسيرات داخل جدران منازلهن بكل ما للكلمة من معنى".

ويتحدث جهشان عن أن "تعرض الضحية لإساءة جسدية أو جنسية في خلال طفولتها، أو مشاهدتها عنفاً أسرياً سابقاً، من شأنهما أن يقللا من احتمال إدراكها علاقة العنف التي تعيشها مع زوجها، وكذلك من احتمال قيامها بخطوات لحماية نفسها. وثمة نساء يظننّ أنهن يستحققن التعامل بهذه الطريقة، فيما أخريات لا يطلبنَ المساعدة أمل أن تتحسّن أحوال أزواجهنّ أو تتغير. وفي بعض الأحيان، تظن المرأة أنها تحمي زوجها العنيف من حالة استثنائية تتوقع أن تزول في يوم". ويلفت إلى أنّ "وزارة الصحة لا تصدر للأسف إحصاءات عن العنف الأسري، بما في ذلك العنف ضد المرأة أو العنف ضد الطفل. وقسم العنف الأسري في الوزارة غير مؤهّل بالموارد البشرية والإدارية، ويقع في أسفل الهرم الإداري للوزارة". ويشدد جهشان على أنّ "مواجهة العنف ضد المرأة يتطلب مواجهة الفجوات في التشريعات، والتغلب على العوائق والتحديات في الخدمات الصحية والقانونية والاجتماعية التي تقدم للمرأة، مع التزام الحكومة بدورها القيادي بالتعامل مع برامج حماية المرأة من العنف". يضيف أنه "لا بد من دمج الجهود الرامية إلى مواجهة العنف ضد المرأة في برامج الصحة العامة، التي تنفّذها الدولة لحماية صحة عموم المجتمع، ودمج المعرفة العلمية حول أسباب العنف ضد المرأة وعواقبه في مناهج التعليم والتدريب"، داعياً الحكومة إلى "زيادة المخصصات المالية في هذا السياق".




تجدر الإشارة إلى أنّ قانون الحماية من العنف الأسريّ في الأردن دخل حيّز التنفيذ في مايو/ أيار من عام 2017، وقد عرّف العنف الأسريّ بأنّه "الجرائم الواقعة على الأشخاص التي يرتكبها أحد أفراد الأسرة في مواجهة أيّ من أفرادها". وقد ألزم القانون مقدّمي الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية الإبلاغ عن العنف الأسريّ عند الاطلاع عليه.

المساهمون