أزرق... ولكن

أزرق... ولكن

23 نوفمبر 2018
الحملات لا تعنيهما وإن كانت بالأزرق (إيكتور ريتامال/فرانس برس)
+ الخط -
السماء التي تظلّل المعمورة وتغمرنا زرقاء اللون. البحر الذي يمتدّ ليرسم الآفاق التي تحضننا أزرق اللون كذلك. ويحيط بنا الأزرق بتدرّجاته، كعنصر أساس لوجودنا في هذه البقعة من الكَون المترامي. وكما الطبيعة تجعلنا نألف هذا اللون، كذلك اعتمده البشر لغرض أو لآخر.

الأزرق هو الحلم والحكمة والأمان والطمأنينة، بحسب تحليل هؤلاء الباحثين الذين اجتهدوا حول دلالات الألوان. والأمر ليس مستجداً، فالأزرق لطالما كان في صلب ثقافات عدّة، سواء أكانت غربيّة أو شرقيّة. ولعلّ الخرزة الزرقاء التي تكثر في مجتمعاتنا، خير دليل. وتلك الخرزة وما يشبهها من تمائم زرقاء من شأنها "إبطال سحر قوى الشرّ الخفيّة"، وُجِدت قبل أن يجتهد باحثون وغيرهم حول تفسير الألوان وقبل أن يلجأ متخصّصون إلى العلاج بالألوان.

قبل أعوام، عندما خصّصت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للتوعية حول التوحّد، اختير اللون الأزرق للحملات ذات الصلة. ربّما كان تأثيره الإيجابيّ على النفس والعقل والجسد هو ما دفع المعنيّين إلى اختياره. وصار الأزرق يلوّن مساحات مختلفة حول العالم، في الثاني من إبريل/ نيسان من كلّ عام. ويبدو اللون الأزرق أكثر جذباً لمعدّي الحملات، باختلافها. فهذا العام، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يوم الطفل العالميّ، أتى الشعار "الأطفال يتولّون المهمّة ويحوّلون العالم إلى اللون الأزرق".



بعيداً عن اللون الأزرق، من هم الأطفال الذين يتولّون "المهمّة"؟ سؤال لا بد ّمن طرحه، في حين يؤكّد القائمون على ذلك اليوم أنّهم يريدون "إقامة عالم يكون فيه جميع الأطفال ملتحقين بالمدارس وآمنين من الأذى وقادرين على تحقيق إمكاناتهم". يقولون: "جميع الأطفال". لا شكّ في أنّ التعبير فضفاض جداً. دعونا لا نكثر الانتقاد، فالهدف سامِ. ربّما في ذلك دعوة إلى الحلم. أوليس الأزرق لون الحلم؟

الأحلام تلازم الأطفال. حقيقة. وكثر هم الأطفال الذين يحلمون بما "يريده" القائمون على يوم الطفل العالميّ وواضعو شعاره لهذا العام. هؤلاء الكثر ربّما عبّروا في يوم عمّا تشتمل عليه أحلامهم الصغيرة، أو ربّما لم يُتَح المجال أمامهم. هؤلاء الكثر لا يدركون أنّ ثمّة من يشاركهم أحلامهم تلك أو يدعمها، في حال سلّمنا بأنّ تلك المشاركة وذلك الدعم فعليّان. ظروفهم تحرمهم من الاطلاع على ما يدور في المعمورة. هي ظروف قاهرة تجعلهم محاصرين بفقر وجوع، أو بتهجير، أو بخوف من قذائف وصواريخ، أو بقلق من عنف تختلف طبيعته، أو باستهداف على أساس تمييز ما... وما أكثر أشكال التمييز. هؤلاء الكثر، في بقاع مختلفة من المعمورة، اعتادوا تلك الظروف القاهرة وتعايشوا معها، أمّا الحملات فلا تعنيهم وإن كانت باللون الأزرق. فأحلامهم خائبة والأمان والطمأنينة مفقودان في بيئاتهم والحكمة لا يعرفها من يتولّى شؤونهم.

المساهمون