الشتاء... معاناة سوريّة مستمرة

الشتاء... معاناة سوريّة مستمرة

21 نوفمبر 2018
للتدفئة والطبخ (أنس الدمشقي/ Getty)
+ الخط -

الشتاء قاس بمختلف المعايير في سورية، بالترافق مع أزمات البلاد، حتى يبدو تأمين وقود التدفئة من الصعوبات الكبيرة. الوضع الأسوأ هو في مخيمات النازحين حيث لا يُحتمل البرد.

يقبل فصل الشتاء على السوريين حاملاً معه الهموم و المتاعب، إذ تبدأ فيه رحلة البحث عن وسائل التدفئة المناسبة في ظلّ الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تمر فيها البلاد.
تختلف أشكال التدفئة بحسب فئات الناس والأماكن التي يسكنون فيها، فبعضها خاضع لسيطرة النظام، وغيرها للمعارضة. وفي حالة النازحين والمهجرين في المخيمات فالشتاء أكثر ضراوة. "برد ترتعد له المفاصل وأمطار وعواصف وسيول تخرب الخيم. هذا ما نعيشه هنا في مخيم أطمة كلّ عام مع حلول الشتاء" هكذا يصف الخمسيني، معاذ أبو حسين، حال الناس في أكبر تجمع للمخيمات السورية قرب الشريط الحدودي مع تركيا بمنطقة أطمة.

يقول أبو حسين لـ"العربي الجديد": "من لديه قدرة على شراء المازوت يضع مدفأة داخل الخيمة أو البيت الذي يعيش فيه في المخيم. البرد هنا لا يحتمل خصوصاً مع هطول الثلج وتدني درجات الحرارة في المنطقة الجبلية. خلال العام الماضي، تعالت صرخات الأهالي الذين وصلت المياه إلى خيمهم وتسببت في جرفها، وخرج الأطفال في البرد القارس هرباً من المياه الباردة ليبقوا بعدها في خيم جيرانهم التي لم تتضرر إذ لا سبيل غير ذلك للاحتماء". يضيف أبو حسين: "هذا العام جهزنا كمية من الحطب الجاف لنستخدمها في الشتاء. وضع ابني فوقها غطاء بلاستيكياً ثبته بالحجارة إلى حين استخدامها واستخراج حاجتنا اليومية منها. قد تنسينا نار المدفأة واجتماع الأسرة بعض ما نقاسيه هنا، وتخفف عنا بعض الهموم، خصوصاً مع جلوس أحفادي قربي فأحكي لهم القصص".




شمالاً، في مخيمات ريف حلب وعفرين، يعيش النازحون ضمن المخيمات أوضاعاً أشد قسوة من مثيلاتها بريف إدلب، مع غياب المدافئ عن خيامهم كون إدارة المخيمات تمنعها لخوفها من نشوب حرائق، بحسب النازح من الغوطة الشرقية، مضر ياسين. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الأهالي الآن ليست لديهم وسائل تدفئة تمكّنهم من التغلب على برد الشتاء، ويوضح أنّه حتى الآن لا توجد آلية معينة سيستخدمها الناس في التدفئة، وغالبية النازحين قد تعتمد على الأغطية فقط لمواجهة الشتاء أو مدافئ الغاز، لكن لا يعلمون إن كانت إدارة المخيمات ستسمح بها أم لا.

يقول صالح محمد (28 عاماً) وهو مهجّر من جنوب دمشق يعيش في مدينة الباب، لـ"العربي الجديد": "حتى الآن، لم أقرر أيّ وسيلة تدفئة هي الفضلى بالنسبة لي، فسعر برميل المازوت هنا يبلغ 100 دولار أميركي، كما أنّ سعر المدفأة يصل إلى 40 دولاراً، وهو عبء إضافي، إذ تقع على عاتقي مستحقات أخرى، من إيجار البيت إلى الماء والكهرباء، وفي الوقت الحالي، لا يكفيني دخلي من محل أجهزة الموبايل الذي بدأت العمل فيه هنا في مدينة الباب لتسديد كلّ هذه المستحقات". يتابع: "اعتدنا في سنوات حصار جنوب دمشق على استخدام الأغطية والملابس لنتدفأ بها، لكنّ زوجتي قد يؤذيها البرد، ولن تتمكن من تحمله، لذلك قد تكون الوسيلة الأنسب للتدفئة لدينا هي مدفأة الغاز".

عمران أبو محمد، المقيم في مدينة دمشق، يوضح لـ"العربي الجديد" أنّه سيعتمد مدفأة المازوت هذا الشتاء، مضيفاً أنّ سعر البرميل يعادل حالياً 100 دولار أميركي. يقول: "هناك كثير من العائلات ليست لديها قدرة على شراء المازوت حتى المدعوم من قبل النظام، فتلجأ لجمع الكرتون والمواد البلاستكية وقطع الأخشاب في الصيف لاستخدامها في التدفئة، وفي المقابل، هناك من يعتمد على مدافئ الغاز لكنّها لا تنفع كون مدينة دمشق تمرّ كل عام بأزمة غاز في فصل الشتاء خصوصاً مع زيادة الطلب عليه سواء للطبخ أو التدفئة، وعلى العموم يأتينا الشتاء بمصاعب العام كلّها من برد وأمراض وأسعار تضيّق الخناق علينا من كلّ نواحي الحياة".

يتذكر ابن ريف حمص الشمالي، عزة أبو أحمد (33 عاماً) كيف أمضى سنوات الحصار الأولى: "منذ بداية عام 2013 ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير وكان تأمينها غير سهل. بدأ الأهالي بقطع الأشجار للاعتماد عليها في التدفئة، ووصل الأمر بهم إلى قطع أشجار الزيتون حتى. كذلك، كانوا يجمعون المواد القابلة للاشتعال كالإطارات والبلاستيك لمواجهة البرد، أما اليوم في ريف إدلب حيث أقيم حالياً فيبلغ سعر الطن الواحد من الحطب 107 دولارات أميركية ومن الممكن أن يكفيني لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، وسأتدبر أمرنا في بقية الشتاء، ومن الممكن أن اشتري كمية أقل بحسب حاجتي حينها".



في ريف حماة الشمالي الذي يعتمد على زراعة الفستق الحلبي، ابتكر الأهالي طريقة مثالية للتدفئة بالاعتماد على قشور الفستق، إذ صنعت مدفأة خاصة تحتوي على مستوعب لقشور الفستق الحلبي ومحرك صغير لتمرير القشور لتشتعل داخل المدفأة باستخدام موقت يعمل على بطارية. تعتبر المدفأة الأولى من نوعها في مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. يقول زياد حسن لـ"العربي الجديد" إنّ معظم أهالي المنطقة يعتمدون هذه المدفأة، لكنّ كلفتها مرتفعة نوعاً ما وتصل إلى نحو 150 دولاراً، وفي المقابل، هي أفضل من مدافئ الوقود والحطب وحتى الغاز.