لا ملاجئ في غزة

لا ملاجئ في غزة

20 نوفمبر 2018
يظنّون أنّهم محصّنون من القصف الإسرائيلي (محمد الحجار)
+ الخط -
في قطاع غزة المهدّد دائماً بالقصف الإسرائيلي، يجد الفلسطينيون أنفسهم في خطر دائم، لا سيّما أنّهم لا يملكون ملاجئ تحميهم من نار الاحتلال

قطاع غزّة محاصر، حقيقة لا تحتمل أيّ نقاش، بالتالي لن يتمكّن أهله من الفرار في حال شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدواناً جديداً عليهم، مثلما هي الحال على الدوام. في الشرق والشمال مدفعيّة الاحتلال وقواته، وفي الغرب البحر الذي يتحكّم فيه الاحتلال ويسمح للفلسطينيين بالصيد فقط على مساحة تراوح ما بين ستّة أميال وتسعة، وفي الجنوب معبر رفح الذي تعوّق السلطات المصرية حركتهم عبره والذي يُغلق في وجههم بين حين وآخر.

اعتاد الغزيون خلال أيّ عدوان إسرائيلي يستهدفهم، ملازمة منازلهم أو اللجوء إلى مباني المدارس أو منازل أقارب لهم. يُذكر أنّهم في خلال وجودهم في المنازل، يعمدون إلى التجمّع في وسطها بعيداً عن النوافذ والأبواب التي قد تتحطم نتيجة القصف، لكنّ ذلك لا يقيهم وحشية القصف الإسرائيلي مثلما يتوقّعون. لكنّ ذلك هو كلّ المتاح لهم، إذ إنّ قطاع غزة يفتقر إلى الملاجئ، بخلاف ما هي الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948. فالمستوطنون الإسرائيليون الذين يعيشون هناك يستفيدون من ملاجئ عامة خصّصتها لهم حكومات الاحتلال المتعاقبة التي تشدد على إلزامية توفير ملاجئ في أسفل المباني السكنية هناك.

هل ينجو من خوفه... ومن القصف؟ (محمد الحجار) 


وقبل أيام، وسط القصف العنيف الذي شنّته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، عاد الغزيون ليسألوا من جديد عن الطرق المناسبة لحماية أنفسهم في غياب الأماكن الآمنة. تجدر الإشارة إلى أنّ هؤلاء صاروا يتردّدون عند لجوئهم إلى مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي اعتادوا الاحتماء فيها، لا سيّما بعد تعرّض عدد منها إلى القصف.

مساء الإثنين 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، استيقظت الطفلة رند (سبعة أعوام) مذعورة، على وقع القصف الإسرائيلي، بعدما استهدفت صواريخ طائرات الاحتلال مبنى قناة الأقصى الفضائية ومبنى سكنياً يقع على مقربة من منزل العائلة في حيّ النصر. تخبر والدتها، ألاء ياغي، "العربي الجديد" أنّهم "في خلال تلك الليلة، شعرنا بأنّ عدواناً جديداً كما في عام 2014 سوف يستهدفنا. فانتقلنا إلى وسط المنزل ورحنا ننتظر انحسار القصف حتى نعود إلى غرفنا". تضيف: "بقينا كذلك طوال الليل، في حين أنّ هدير طائرات الاستطلاع كان يؤرّقنا.

هذا ما بقي من الحي (محمد الحجار)


أمّا طفلتي، فغفت بين ذراعيّ عند منتصف الليل، وصرت خائفة من أن تستيقظ مذعورة من جديد. كذلك لم أكفّ عن التفكير في المكان الذي يمكننا التوجّه إليه في حال تفاقم الأحداث. إلى أين نهرب؟ لا يوجد مكان آمن في غزة".



وفي الحيّ نفسه، حيّ النصر، لجأت عائلة أحمد الدلو إلى "الاستراتيجية" نفسها، فجلس أفرادها في وسط المنزل بعدما اشتدّ القصف الإسرائيلي. وعند الساعة الثامنة والنصف مساءً، أخبرهم جيرانهم بضرورة إخلاء المنزل سريعاً، تجنباً لأيّ ضرر قد يصيبهم. فالاحتلال الإسرائيلي كان قد هدّد باستهداف مقرّ قناة الأقصى الملاصق لمنزلهم. على الأثر، توجّه الدلو وأبناؤه السبعة وزوجته إلى الشارع، وكلّ ما يدركه ضرورة الابتعاد عن المنزل. يقول الدلو لـ"العربي الجديد": "لم أكن أعلم إلى أين كنّا نتوجّه سيراً على الأقدام. ما كان يهمّنا هو الابتعاد عن أيّ خطر يحيط بالمنزل، علماً أنّه لا يوجد في غزة أيّ مكان آمن، لا في الملاجئ المتوفرة ولا في المدارس التي سوف يتهدّدها كذلك العدوان الإسرائيلي". ويشير إلى أنّ "الملاجئ المحصّنة تؤمَّن للإسرائيلي في حين يدّعي أنّه خائف، وهكذا يراه العالم. أمّا نحن، فلا أحد يرانا ونحن نجري حفاة هرباً من القصف، ووجهتنا المدارس والمساجد غير المحصنة".

نجا مرة أخرى (محمد الحجار) 


استعاد الغزيون في خلال أيام القصف الثلاثة الأخيرة الذكريات الأليمة للعدوان الإسرائيلي في عام 2014. وهو ما يؤكده عاهد السقا، من سكان حيّ الرمال الذي تعرّض أخيراً إلى قصف إسرائيلي استهدف مبنى كاملاً يعود إلى عائلة اليازجي. والسقا كان يقيم مع عائلته في مدينة خان يونس قبل أن ينتقل للعيش في مدينة غزة بعدما تهدّم نصف منزله من جرّاء العدوان.

يقول لـ"العربي الجديد": "ما زلت أتذكّر الاتصال الذي وردني حتى أخلي المنزل لأنّ الاحتلال كان سيقصف منزل جيراننا في مخيّم خان يونس. خرجت سريعاً مع أبنائي الأربعة وزوجتي من دون حمل أيّ من مقتنياتنا، باستثناء أوراقنا الثبوتية. ومن جديد، في حيّ الرمال هذه المرّة، وردني اتصال من جيراني يطلبون منّي فيه إخلاء المنزل لأنّ المبنى مهدد بالقصف بالكامل. وهذا ما حصل". ويرى السقا أنّه "لا بدّ من توفير ملاجئ للغزيين، إذ إنّ القطاع منطقة ساخنة".