إرهاب الطرقات في الجزائر

إرهاب الطرقات في الجزائر

18 نوفمبر 2018
حادثة سير وسط الثلوج (فاروق باطيش/ فرانس برس)
+ الخط -

تحتلّ الجزائر مرتبة متقدّمة عربياً في معدّلات حوادث السير، أو ما يُعرف محلياً بـ"إرهاب الطرقات" الذي يستهدف الجزائريين، مع أكثر من 200 قتيل في ألفَي حادثة سير شهرياً. ولكلّ واحدة من تلك الحوادث قصّتها المؤلمة التي طاولت عائلات بأكملها، ناهيك عن الخسائر المادية.

بكثير من الأسى يتذكّر فريد شريدة يوم 27 فبراير/ شباط 2016. بالنسبة إليه هو "يوم أسود". ويخبر أنّه توجّه في ذلك اليوم إلى محطة سيارات الأجرة بين الولايات مصطحباً زوجته وابنه. كان من المفترض أن يتوجّه الاثنان إلى مدينة قسنطينة شرقيّ البلاد في زيارة للأهل، على أن يلحق هو بهما في نهاية الأسبوع. لكنّ الأقدار شاءت غير ذلك، إذ إنّ سائق سيارة الأجرة كان متهوّراً وراح يقود بسرعة فائقة، وعند منعطف خطير بالقرب من منطقة برج بوعريريج (شرق)، وقعت الحادثة التي أدّت إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة اثنَين آخرَين. من بين الضحايا القتلى الطفل أسامة ابن الأعوام الخمسة ووالدته البالغة من العمر 38 عاماً. يقول فريد لـ"العربي الجديد" إنّ "حياتي تبدّلت منذ ذلك اليوم، وكم تمنيت لو أنّني أستطيع العودة بالزمن إلى الوراء وأكون معهما. هكذا كنا ذهبنا معاً، فذلك أفضل من حالي اليوم. صورتا زوجتي وابني لا تفارقانني". ويشير إلى أنّه "كثيراً ما ألوم نفسي، فتلك كانت المرة الأولى التي أدعهما يسافران وحدهما كل تلك المسافة"، علماً أنّ المسافة بين العاصمة وقسنطينة تبلغ نحو 400 كيلومتر.

كثيرة هي القصص المؤلمة، لا بل المأساوية، التي تسببت فيها حوادث سير، بما في ذلك تهوّر السائق والسرعة الفائقة وعدم احترام قوانين المرور وما إليها. في الرابع من مارس/ آذار 2017 ، كان حمزة خليفة (36 عاماً) من منطقة حجوط (غربيّ العاصمة الجزائر) يقود سيارته في طريق العودة إلى منطقته هو وصديق له. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في لحظة سهو منّي، فقدت السيطرة على السيارة بسبب السرعة. حاولت التحكّم فيها لكنّها انقلبت ثلاث مرّات، فأصيب صديقي في كتفه وفخذه ووجهه، في حين أُصبتُ أنا بشكل بالغ في وجهي ورجلَيّ. وفقدتُ بالتالي القدرة على المشي برجلي اليمنى كلياً". ويتحدّث خليفة عن "محاولات للعلاج، فسافرت إلى تونس لإجراء عملية جراحية لعلّني أتمكّن من استعادة قدرتي على المشي. لكنّ الأمر لم يكن مفيداً". ويشير حمزة إلى أنّه كان، قبل الحادثة، قد نجح في الحصول على "فرصة للسفر إلى كندا للعمل في مجال هندسة الإعلام الآلي، لكنّ ذلك الحلم انهار في لحظة تهوّر".




تفيد إحصائية نشرها المركز الحكومي للوقاية والأمن عبر الطرق في الجزائر، بأنّ أكثر من ألفَين و548 شخصاً لقوا حتفهم في حوادث سير في مختلف مناطق البلاد منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، في حين سُجّلت نحو 18 ألف حادثة سير في خلال الفترة نفسها. يُذكر أنّ أكثر من 25 ألف شخص تعرّضوا إلى إصابات متفاوتة الخطورة من جرّاء تلك الحوادث. وعلى الرغم من إعلان المركز عن انخفاض في عدد ضحايا حوادث السير من القتلى بنسبة 9.87 في المائة بالمقارنة مع الفترة الزمنية نفسها من العام الماضي (2017)، فإنّ ذلك لا يلغي بقاء الجزائر واحدة من أكثر دول المنطقة العربية والمغاربية تأثراً بحوادث السير، خصوصاً مع تزايد عدد السيارات في البلاد. في الجزائر ثمّة 5.9 ملايين مركبة، من بينها 1.7 مليون في العاصمة الجزائرية وحدها.

وتتعدّد أسباب حوادث السير، فتأتي مشكلات الطرقات المهملة لتمثّل نسبة اثنَين في المائة من مجموع مسببات تلك الحوادث، إلى جانب المشكلات التقنية في السيارات. ويعيد المهتمون برصد مؤشرات ارتفاع معدلات حوادث السير في الجزائر إلى تهوّر السائقين خصوصاً الشباب منهم. في السياق نفسه، يفيد المركز الحكومي للوقاية والأمن عبر الطرق بأنّ تهوّر السائقين وعدم احترام قوانين المرور والسرعة المفرطة وحدها تمثّل 37 في المائة من مجموع أسباب حوادث السير في الجزائر، مشيراً إلى أنّ الفئة العمرية المتراوحة ما بين 18 و29 عاماً متورطة بنسبة كبيرة في حوادث السير. وقد بيّنت الإحصاءات أنّ حاملي رخصة القيادة الجدد، أقلّ من خمسة أعوام، يمثّلون نصف مجموع المتسببين في حوادث السير".




في السياق، أثبتت دراسة اجتماعية أعدّها الدكتور بولسينة عبد القادر من جامعة الجزائر، أنّ 95 في المائة من السائقين في الجزائر لا يتلقون إلى جانب التدريب على القيادة تأهيلاً نفسياً ومعرفياً وتقنياً للقيادة الحضارية للسيارة، بالتالي فإنّ امتلاكهم مركبات عصرية يمثّل خطراً حقيقياً على حياتهم.

على الرغم من التعديلات التي أدخلتها الجزائر في مارس/ آذار من عام 2017 على قانون المرور والتي شدّدت العقوبات على مخالفي ذلك القانون، فإنّ نسبة حوادث السير لم تنخفض بالقدر الذي كانت تتوقعه السلطات، الأمر الذي دفع خبراء كثيرين إلى دعوة السلطات للعمل بآلية رخص القيادة بالتنقيط، وسحبها من السائق وإجباره على الخضوع إلى الامتحان من جديد والحصول على رخصة أخرى، في حال بلغ مستوى معيّنا من النقاط المسجّلة ضده.