لنا مساحاتنا

لنا مساحاتنا

17 نوفمبر 2018
هذا مكانها (فرانس برس)
+ الخط -

مساحات صغيرة نخلقها لأنفسنا، وهي نفسها التي ندّعي أنها تخصّنا وحدنا. هذه المساحات تساعدنا على العيش لوحدنا، خلال اللحظات التي يتغيّر فيها العالم من حولنا بسرعة، بينما نختار الاسترخاء. أو خلال بحثنا عن أنفسنا، أو لنثبت أننا أقوياء، وأن الوحدة قد تكون خياراً.

الكورنيش البحري يكاد يمنح كلّ شخص مساحة للابتعاد عن العالم والاقتراب من نفسه، أو للتفكير والاكتفاء بنسمات لطيفة في طقس خريفي، بينما الطائرات تعبر سماءه الواحدة تلو الأخرى.

الكثير من البشر على الكوكب، أي أفكار وهموم وتساؤلات كلّها تحتاج إلى الاختباء داخل مساحات خاصة وصغيرة. كأنّ هاتين الصفتين تمنعان الآخرين من اختراقها. لكنّهم متطفلون تغلب عليهم تلك الرغبة في الاطلاع على تفاصيل الجميع. إلا أن ذلك لن يغلق مساحات خاصة قد تبقى ثابتة أو تتجدّد.

البحر أو قمّة جبل بعيد، ينبذه العالم وليتهم لا يتوقفون عن نبذه. ليتهم يتركون الناس في مساحات تحمل رائحتهم مع الوقت. في السير الذاتية، يقولون إن أصحابها كانوا يتردّدون كثيراً إلى هذه الأماكن، ولا يمانعون إن كانوا وحيدين فيها، وقد يُفضّلون ذلك.

ماذا ستقول هذه الأماكن عنّا؟ وحدها تتسلّل إلى أفكار ومشاعر نوهم الآخرين بأنّنا نبوح بها كلّها كما يفعل الآخرون معنا. لكنها لا تخرج، وترفض أن تتشاركها الأيادي.

كثيراً ما سمعنا عن سقف وجدران تستند بعضها إلى بعض لتصنع شكلاً يمكن إغلاقه. كان هذا المكان حيّزنا الذي نسعى إليه، ونعيش فيه حقيقتنا من دون الحاجة إلى التفكير. نعيش فيه بمشاعرنا وغرائزنا وليس بعقولنا، إلّا حين نقرّر ذلك. هذه المساحات التي لطالما أردناها لأنفسنا، قد لا تكون ما نبحث عنه، أو ما قد نعثر عليه صدفة.


اقــرأ أيضاً


لماذا نختار مكاناً دون آخر؟ لماذا قد تقودنا مشاعرنا إلى زاوية أو فيء أو مقهى أو أي شيء؟ لا نعرف عمّا نبحث غالباً، ثمّ نصل إلى أماكن جديدة، ثم نجد أنفسنا في أماكن جديدة. ما كلّ هذا؟ أتتحمّل سنواتنا القليلة على الأرض كل هذا؟ وحين نضيّع أنفسنا، نعود إلى أماكننا التي تدوّن في سيرة ذاتية. وإذا ما اشتاق إلينا أحدهم، سيجدنا هناك في التوقيت المناسب.

هذا المكان الذي يشاركنا فيه كثيرون في الدقيقة نفسها، يبقى لنا وحدنا، ولنا فيه مساحة تحمينا من العزلة والخوف وتعيدنا إلى تفاصيل أكثر أماناً. بعد قليل، نذهب جميعاً إليها. إنها لحظة السكينة الوحيدة، حين نلتقي أرواحنا من دون أن تلفظ أنفاسها.

المساهمون