مصر: انتقادات حقوقية للحكم في قضية "عفروتو"

مصر: انتقادات حقوقية للحكم في قضية "عفروتو"

14 نوفمبر 2018
المحكمة رفضت توجيه اتهامات التعذيب للمتهمين (تويتر)
+ الخط -
انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية -منظمة مجتمع مدني مصرية-، حكم محكمة جنايات القاهرة في قضية مقتل مواطن مصري داخل قسم الشرطة على يد ضباط وأمناء شرطة، ورأت أن المحكمة استبعدت اتهامات القبض والاحتجاز بدون وجه حق ورفضت توجيه اتهام التعذيب للمتهمين، وحكمت بالحد الأدنى للعقوبة.

وقضت محكمة جنايات القاهرة يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بالسجن 3 سنوات على النقيب محمد سيد عبد الحليم معاون مباحث قسم المقطم، وبالسجن 6 أشهر لأمين الشرطة محمد أحمد محمد سالم بتهمة ضرب محمد عبد الحكيم وشهرته "عفروتو" حتى الموت.

وكانت النيابة العامة قد أحالت المتهمين إلى المحاكمة لارتكابهما الجناية والجنحة المعاقب عليهما بالمواد 236 فقرة 1 و280 و282 فقرة 2 من قانون العقوبات وهي تهم الضرب المُفضي إلى الموت والقبض والاحتجاز بدون وجه حق.

وصدر حكم المحكمة بعد أن استبعدت تهمة القبض والاحتجاز بدون وجه حق، ودانت معاون المباحث بالحد الأدنى لعقوبة الضرب المفضي إلى الموت، كما دانت أمين الشرطة بتهمة الضرب البسيط.

وتعود وقائع القضية إلى يوم 5 يناير/كانون الثاني 2018، حيث قام المتهمان بضرب المجني عليه محمود عبد الحكيم (22 عامًا) عمدًا بأن أسقطه المتهم الثاني (أمين الشرطة محمد أحمد سالم) أرضًا وسدد إليه المتهم الأول (النقيب محمد سيد عبد الحليم) عدة ركلات استقرت بمنطقة الصدر فأحدثت له، حسب ما جاء بتقرير الطب الشرعي، كسرًا بالضلع السابع وتكدمًا بالرئة اليسرى وتهتكًا بالطحال ونزيفًا دمويًّا بالبطن، وهي الإصابات التي وصفها تقرير الطب الشرعي بأنها حيوية حديثة أي أنها مسبِّبة للوفاة.

وتظاهر في وقت سابق، عددٌ من أهالي منطقة المقطم احتجاجًا على مقتل محمد عبد الحكيم، وتم القبض على عدد كبير منهم، ويخضع حالياً 120 من الأهالي للمحاكمة الجنائية بتهم التجمهر وحرق سيارتي شرطة ومحاولة اقتحام قسم شرطة المقطم.

وأثناء جلسات المحاكمة استجابت المحكمة، لكافة طلبات دفاع المتهمين والمتمثلة في استدعاء الطبيب الشرعي ومناقشته والطعن على تقرير الطب الشرعي، وتشكيل لجنة ثلاثية من الطب الشرعي، في حين أنها رفضت الاستماع إلى دفاع المدّعين بالحق المدني ورفضت مجرد إثبات طلب الدفاع بتعديل القيْد والوصف من ضرب أفضى إلى موت إلى تعذيب. فتعريف التعذيب في قانون العقوبات يشترط أن تكون هناك محاولات من الجاني -الموظف العمومي- لاستخراج اعترافات من المجني عليه، وبغير ذلك عادة ما يتم استبعاد تهمة التعذيب من الاتهامات الموجهة للجاني.

وطالبت المبادرة في بيان لها، اليوم الأربعاء، بتعديل تعريف التعذيب في قانون العقوبات لكي يكون متسقًا مع التعريفات المعاصرة والتزامات مصر الدستورية والقانونية الدولية من أجل وقْف هذه الممارسات، وحتى لا تصبح أقصى عقوبة يحصل عليها موظف عمومي قام بضرب وتعذيب مواطن بشكل موثَّق ومثْبت هي ثلاث سنوات، وهي عقوبة أخف بكثير من عقوبات قضت بها المحاكم في جرائم لم تتسبب في وفاة مواطن أو في ضرر مادي مثل مخالفات التظاهر.

وفيما يتعلق بالحد الأدنى من الاتهامات والعقوبات، أكدت المبادرة "كان دفاع المدعين بالحق المدني قد طلب من المحكمة تعديل القيد والوصف ومحاكمة المتهمين بموجب نص المادة 126 من قانون العقوبات، كون الجريمة المرتكبة هي جريمة تعذيب وليست جريمة ضرب أفضى إلى موت، إلا أن المحكمة رفضت الاستماع إلى الأساس القانوني للطلب كما رفضت إثباته بمحضر الجلسة.

وأشارت إلى أن الأساس القانوني لطلب تغيير القيد والوصف يستند إلى ما جاء بنص المادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أنه: "للمحكمة أن تغير في حكمها الوصف القانوني للفعل المسنَد للمتهم، ولها تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعة في الجلسة، ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور ولها أيضًا إصلاح كل خطأ مادي وتدارك كل سهو في عبارة الاتهام مما يكون في أمر الإحالة، أو في طلب التكليف بالحضور. وعلى المحكمة أن تنبّه المتهم إلى هذا التغيير، وأن تمنحه أجلًا لتحضير دفاعه بناءً على الوصف أو التعديل الجديد إذا طلب ذلك".

وقالت "الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم؛ لأن هذا الوصف ليس نهائيًّا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم". وأكدت أن التعريف القانوني القاصر لجريمة التعذيب.

أما عن رفْض النيابة والمحكمة من بعدها توجيه تهمة التعذيب إلى المتهمين، فقالت إنه "أمر متكرر في هذا النوع من المحاكمات ويشكل خللًا جذريًّا مستمرًّا منذ زمن طويل في محاسبة الموظفين العموميين الذين يسيئون استخدام سلطتهم، خاصة من رجال الشرطة، بسبب قصورٍ في تعريف القانون لفعل التعذيب".

ونصت المادة الثانية والخمسون من دستور جمهورية مصر العربية الصادر في العام 2014 على أن التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم. ولكن تعريف التعذيب في قانون العقوبات محدود جدًّا طبقًا للمادة 126 من قانون العقوبات: "كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم، أو فعلَ ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا"، ومعنى هذا النص أن الموظف أو المستخدم العمومي لا يكون مرتكبًا لجريمة التعذيب إلا إذا كان المعتدَى عليه متهمًا، وإلا إذا كان الاعتداء الواقع عليه من الموظف أو المستخدم العام بقصد الحصول على اعتراف، فإذا لم يتوفر هذان الشرطان لا يقدَّم الموظف العام إلى المحاكمة بتهمة التعذيب.

أي أنه إذا قام الموظف العمومي باحتجاز وضرب متهم بشكل متواصل بهدف الترهيب أو المعاقبة، على سبيل المثال، لا يندرج هذا الفعل تحت تعريف التعذيب طبقاً للمادة 126.

 

 

 

وأضافت المبادرة "يستثني ذلك التعريف أنماطًا متكررة من العنف الشرطي داخل أماكن الاحتجاز وخارجها بحجة عدم توافر قصد الحصول على اعتراف، وكأن الضرب المبرح والإهانة لا يرقيان إلى تعريف التعذيب إلا إذا كان بهدف الاستنطاق". "وباستمرار هذه الممارسات القضائية يستمر مناخ الإفلات من العقاب ويتحصّن الكثير من رجال إنفاذ القانون في مصر من عقبات تلك الممارسات، وفي أفضل الأحوال يتم توجيه اتهامات باستعمال القسوة لا تتناسب مع جسامة الفعل أو الجريمة" وفق المبادرة.

دلالات