"الدكة العشائرية" بالعراق... إرهاب يتحدى القانون

"الدكة العشائرية" في العراق... إرهاب اجتماعي يتحدى القانون

13 نوفمبر 2018
هجمات عشائرية في مدن عراقية (فيسبوك)
+ الخط -


أثار انتشار فيديو جديد وصور تداولها ناشطون على مواقع التواصل في العراق غضباً شعبياً واسعاً، بشأن ما يعرف بـ"الدكة العشائرية"، وهي إحدى الظواهر التي عرفها العراقيون بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003. وعلت الأصوات التي تطالب الحكومة العراقية بتفعيل القانون الذي اعتبر الدكة العشائرية نوعاً من أنواع الإرهاب.

والدكة العشائرية هي أن يقوم أفراد القبيلة بالهجوم على منزل أو مقر سكن الخصم من العشيرة الأخرى، مطلقين النار ومرددين هتافات تهدد بالوعيد والقتل، وتُعطى مهلة 3 أيام للخصم، حتى يأتي ويحتكم لديهم ويذعن لشروطهم. أو أن يهجموا ويقتلوا في قضايا الأخذ بالثأر أو الشجارات والمنازعات المالية والاجتماعية المختلفة.

وتطورت أسباب الدكة العشائرية أخيراً لتشمل أموراً يعتبرها المجتمع تافهة، وتثير التعليق أو الإعجاب عبر "فيسبوك" على موضوع تعتبره هذه العشيرة أو تلك مسيئاً لها، وطاول بعضها أخيراً إعلاميين ومقدمي برامج حوارية في بغداد، وكذلك مواطنين تهجموا على مسؤولين بالحكومة اعتبرت عشائرهم أنها إهانة لهم.

وذكر بيان لمجلس القضاء الأعلى في العراق الشهر الماضي: "إن جرائم التهديد عبر الدكة العشائرية تعد صورة من صور التهديد الإرهابي وفق أحكام المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب في البلاد"، شارحاً آثار ذلك، ومانحاً قوات الأمن حق التحرك لاعتقال المتورطين في "الدكة" بحسب القانون. إلا أن القانون لم يبدُ فاعلاً أو رادعاً لتلك الظاهرة التي تختص بها مناطق جنوب العراق وبغداد على وجه التحديد.

وقبل أيام، ظهرت لقطات فيديو جديد مصور في بلدة جنوب العراقي لعشرات الرجال، وهم يحيطون بمنزل ويمطرونه بوابل من الرصاص قبل أن يسلموا أهل الدار رسالة تحذير. لكن التطور الذي أثار غضب الناشطين في ذلك كان تحول مسار الدكة العشائرية من استعمال الرصاص الحي إلى تفخيخ أبواب المنازل "المطلوبة عشائرياً، "كما أظهرت صور تداولها ناشطون عراقيون.

كما نشر ناشطون صوراً لـ"دكة عشائرية"، حدثت ليل أمس الإثنين جنوب بغداد، أظهرت تفخيخ باب أحد المنازل "المطلوب عشائرياً" بالقنابل اليدوية، وهو ما لم يسبق له مثيل. وعلق ناشطون على ذلك بأنه تطور كبير، ووصفوه بأنه دكة عشائرية على طريقة لعبة "كول أوف ديوتي" الإلكترونية، مطالبة وزارة الداخلية بالتحرك.

هذا النوع من الصور والمقاطع التسجيلية تتداولها الصفحات العامة واسعة الانتشار التي لا تحمل غالباً أسماء شخصية، ويخشى الجميع من الوقوع في فخ الدكة العشائرية، لذلك يلجأ أغلب الناشطين إلى نشرها في الصفحات العامة.

وعلقت مصادر أمنية على الحادث الأخير بأنه غريب من نوعه، ولم يسبق له مثيل. وبيّن المصدر لـ"العربي الجديد" أن "هذا التطور خطير جداً وستعمل وزارة الداخلية على متابعة وملاحقة المتورطين في هذا الفعل واعتقالهم".

أحد وجهاء بغداد، الشيخ ساجت الشويلي، قال: "لا يمكن وصف ما يجري سوى أنه مهزلة حقيقية، وترهل أمني غير مسبوق بعد أن وصل الأمر بالمشاكل العشائرية إلى تفخيخ أبواب المنازل دون مراعاة لحياة الآمنين وهذا تطور خطير". وبيّن الشويلي لـ"العربي الجديد" أن "هذه التصرفات التي تندرج تحت ما يعرف بالدكة العشائرية هي للأسف من المظاهر العشائرية المتخلفة. والمشكلة أن الدولة لا تتدخل لمنع هذا الإرهاب العشائري الجديد من نوعه على الساحة العراقية".


الناشط المعروف باسم عزيزي عزوز، وهو اسم مستعار اشتهر بين العراقيين منذ الثمانينيات، علق على مقطع تسجيلي لدكة عشائرية أخرى حدثت في إحدى المدن العراقية يوم أمس، بالقول: "شاهد عزيزي العراقي إذا سامع بالدكة ولم ترها"، وأضاف ساخراً: "نموذج من نماذج الكرامة العشائرية".

ولم تنحصر قضية الدكة العشائرية في مكان محدد، بل شملت الشوارع والساحات العامة وحتى المدارس والحمامات العامة والأراضي الزراعية وغيرها.

الكاتب والناشط السياسي إبراهيم الياسري عبّر عن غضبه الشديد ضد كثيرين من شيوخ العشائر على صفحته الرسمية، معتبراً أن "صدام كان يدوس على رؤوسهم والأمريكان انتهكوا حتى أعراضهم، لكنهم يتمرجلون على الفقراء والمساكين".


واتخذت صفحات أخرى من الأمر مثاراً للسخرية على طريقة الكاريكاتور، فصورت "الدكة العشائرية" على شكل مسلحين يحملون بنادق رشاشة بصحبة آلية عسكرية نوع هامر للجيش، في تلميح إلى عجز السلطات العراقية عن الردع.

وسبق لإحدى تلك الدكات أن استهدفت في بغداد قبل نحو ثلاثة أسابيع مدرسة ابتدائية، ما سبب هلعاً وذعراً شديدَين للتلاميذ الصغار. ونشر الناشط المدني سلام برهان الجبوري، مقطعاً تسجيلياً للحادث، وكتب معلقاً: "دكة عشائرية في عاصمة الرشيد من قبل إحدى العشائر التي رسب أحد أبنائها، فاتهمت العشيرة المعلم بترسيبه، وجمعت أفرادها وقاموا بمهاجمة المدرسة في وضح النهار".

وأضاف الجبوري: "المضحك في الأمر أن حراس المدرسة هربوا إلى الداخل قبل التلاميذ رغم أنهم يحملون السلاح، ولكن لا يستطيع أحد أن يطلق النار لأنها دكة عشائرية لا يمكن أن يتدخل بها حتى حلف الناتو، والله يطيح حظك أمريكا".


المواطنون يعتبرون أن قوانين وقرارات مهمة معطلة من قبل الدولة، خصوصاً القانون الأخير الذي يعتبر الدكة أحد أنواع الإرهاب، لأن غالبية العشائر لا تلتزم بالقانون، ولا تستطيع قوات الأمن في الوقت ذاته وقف هذه الأعراف العشائرية.

وقال حيدر الحسيني موضحاً: "كل ما يصدر من قرارات قضائية وحكومية مجرد امتصاص لغضب الشارع العراقي، فالحكومة عاجزة تماماً عن ردع العشائر التي وصل بها الأمر إلى التفخيخ، وهذا إرهاب لم يسبق له مثيل في البلاد".

أما الأستاذ في علم الاجتماع، علي الوائلي، فعلّق على الظاهرة بأنها ليست عراقية ولا عربية ودخيلة، وهناك شبيه لها في قبائل أفريقية تركتها منذ عقود كونها متخلفة. وقال لـ"العربي الجديد": "للأسف ضعف القانون بهذا الشكل تسبب في ظهور مثل تلك المشاكل وتفاقمها أكثر، والحكومة مطالبة بحماية المجتمع منها وأن تضع حدا لذلك"، مؤكدا أن رجال الدين تحدثوا عن الموضوع أكثر من مرة لكن لا فائدة، وهنا يأتي دور الدولة في فرض هيبتها على البلاد بالقوة لحماية الأبرياء.