"عمّال حضائر" تونس

"عمّال حضائر" تونس

10 أكتوبر 2018
في أحد شوارع تونس (العربي الجديد)
+ الخط -


نفّذ عمّال حضائر تونس أمس الثلاثاء في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، وقفة احتجاجية بمحافظة سيدي بوزيد للمطالبة بتفعيل الاتفاقيات التي تطاولهم وتلبية مطالبهم المشروعة، على أن ينفّذوا وقفة أخرى غداً الخميس 11 أكتوبر/ تشرين الأوّل أمام مجلس النواب لحثّ السلطات على تلبية مطالبهم ودمجهم على دفعات، وفق ما ينصّ الاتفاق المبرم بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل.

"قبلنا بالتشغيل الهش وبرواتب لا تتعدى 351 ديناراً تونسياً (نحو 125 دولاراً أميركياً)، على أمل أن تسوّى أوضاعنا المهنية. صبرنا على أزمة البلاد وظروفها الاقتصادية، لكنّنا فوجئنا بتنصّل الحكومة من وعودها ومن الاتفاق الذي أبرم بينها وبين اتحاد الشغل في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، القاضي بتسوية أوضاع عمّال الحضائر والقضاء على التشغيل الهش". هذا ما يقوله مسؤول التنسيقية الوطنية لعمّال الحضائر التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، محمد العكرمي، لـ"العربي الجديد".

والعكرمي من مدنين، جنوبيّ تونس، أب لطفلَين يعمل في معهد حكومي كغيره من عمّال الحضائر الذين "يتوزّعون على 12 وزارة ومؤسسة عمومية، منها البلديات بالإضافة إلى وزارات الصحة والتربية والعدل والتجهيز والبريد والإدارات، إنّما من دون عقود ولا ترسيم، ويتقاضون أجورهم بناءً على بطاقة الهوية ولا يتمتّعون بأيّ حقوق"، بحسب ما يوضح.

يضيف العكرمي أنّهم من "فئات مختلفة، من بينهم من يحمل شهادة بكالوريا وآخرون من أصحاب الشهادات العليا، إلى جانب أشخاص أميّين وكذلك أرامل ومفقرين". ويتابع أنّ عددهم "يقدّر بنحو 85 ألفاً، لكنّ 47 ألفاً فقط معنيّون بالتسوية المهنية"، مبيناً أنّ "إحصاءات الحكومة الرسمية استثنت الذين سوف يحالون على التقاعد وأولئك الذين كانوا يحسبون على الحضائر في حين أنّهم مرسّمون في وظائف ومهن أخرى". ويتوزّع عمّال الحضائر على ثماني محافظات، 60 في المائة منهم يعملون في مجال الحراسة والتنظيف و10 في المائة في الإدارات، في حين أنّ 60 في المائة مستواهم ابتدائي أو هم أميّون وخمسة في المائة يحملون شهادات عالية، بحسب ما تفيد إحصاءات حكومية رسمية. تجدر الإشارة إلى أنّه تمّت تسوية الأوضاع القانونية لـ17 ألفاً و820 عاملاً قبل الثورة، لكنّ عددهم تضاعف في الأعوام الأخيرة.



ويخبر العكرمي أنّه يقضي "ثماني ساعات في العمل يومياً، أي المدّة نفسها التي يعمل خلالها الموظفون العموميون العاديون. ونحن مطالبون بالالتزام بالتوقيت الإداري وتقديم الإنتاج نفسه، لكنّنا محرومون من أيّ حقوق تذكر". ويؤكد أنّ "حجج الحكومة للتنصّل من الاتفاق لا تعنينا كثيراً، فنحن غير مسؤولين عن الوضع الاقتصادي وعمّا تمرّ به البلاد من أزمات". يضيف: "ضحّينا طوال ثمانية أعوام وصبرنا على أمل تسوية أوضاعنا ولو على مراحل، لكنّ تنصل الحكومة من وعودها جعل منسوب الاحتقان يرتفع والغضب يحتد".

من جهتها، تقول نبيلة منياوي التي تحمل شهادة في الحقوق، اختصاص قانون دستوري، إنّها تشتغل من ضمن إطار عمّال الحضائر في معهد حكومي وهي معنيّة بملف التأطير منذ 2011. تضيف منياوي، وهي من محافظة سليانة، شماليّ تونس، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أملي هو الترسيم لكنّ الحكومة أخلّت بوعودها"، مشيرة إلى أنّ "عشرات أصحاب الشهادات يعملون في الحضائر. وصديقتي مليكة من هؤلاء، وهي مجازة باللغة والآداب وتعاني من الوضع نفسه تقريباً". وتؤكد منياوي أنّ "معتمديات عدّة تابعة لسليانة تعيش احتقاناً غير مسبوق. وعلى سبيل المثال، أقفلت معتمديات بوعرادة وقعفور وبرقوا أبوابها بسبب اعتصام عمّال الحضائر البالغ عددهم ثلاثة آلاف و250 عاملاً وعاملة في سليانة. وقد أُعلن العصيان المدني في منطقة مكثر، في حين أنّ معتمديات عدّة قد تشهد انفجاراً اجتماعياً غير مسبوق". يُذكر أنّ منياوي أمّ لطفلَين، وزوجها يحمل مثلها شهادة جامعية وهو عامل مياوم، وتلفت إلى أنّ "أجرتي الزهيدة تتبخّر سريعاً بسبب غلاء المعيشة وبدل الإيجار. ونحن نتعرّض إلى مضايقات عدّة ولا أحد يسمعنا".

محتجّون يطالبون بحقوقهم (العربي الجديد)


أمّا فتحي محمدي من القصرين، وسط غربي تونس، فقد قضى ثمانية أعوام كعامل حضائر، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه غير مستعد للعودة إلى الوراء. يضيف أنّ "الدولة هي التي استنجدت بنا لسدّ الشغور الحاصل في الإدارات والمؤسسات العمومية". ويتابع محمدي أنّ "المكسب الوحيد الذي قدّمته الثورة للمناطق المهمشة هو التشغيل من ضمن الحضائر، ونحن قبلنا بالعمل الهشّ لأنّنا لا نملك خيارات في ظل استفحال البطالة. واليوم، ثمّة من يدعو إلى التخلي عنّا". ويقول إنّ "هذا الملف تحديداً يكتنفه غموض وفساد وهو تقريباً من أكثر الملفات تعقيداً. أمّا الحلول التي اقترحت أخيراً، ومنها التكوين (التدريب) والعمل للحساب الخاص، فهي غير عملية لأنّ كثيرين منّا ليسوا في سنّ صغيرة ولا يمكنهم البدء من الصفر".

نور الدين بن حسين من هؤلاء، ويحمل شهادة بكالوريا، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الهدف من الاتفاقية المبرمة مع الحكومة هو الحدّ من التشغيل الهش. وعلى الرغم من أنّ الحوار ما زال مفتوحاً بين الحكومة واتحاد الشغل، فإنّ الأمل في حلّ الأزمة يتضاءل، خصوصاً أنّ الحكومة لم تقدّم لنا أيّ إجابة واضحة". يضيف بن حسين: "ندرك جيداً أنّ الدولة غير قادرة على ترسيم 47 ألف عامل وأنّ الوضع الاقتصادي صعب، لكنّ مجرّد الانطلاق في تفعيل الاتفاق سوف يبعث رسائل إيجابية ويضمن الاستقرار الاجتماعي لتونس. فنحن وطنيون ونخاف على تونس، لكنّنا غير قادرين على الصمت والصبر أكثر".



في السياق، يرى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ الاحتجاجات التي راح ينظمها عمّال وعاملات حضائر ما بعد عام 2011، هي من أجل المطالبة بالتسوية النهائية لأوضاعهم ودمجهم في وظائفهم بعد أن سوّى اتفاق عام 2015 أوضاع حضائر ما قبل عام 2011. لكنّ ذلك رسّخ إحساساً بالتمييز عبر تجزئة الملف إلى ما قبل عام 2011 وما بعده، وقد لفت المنتدى في أحد بياناته إلى أنّه يدرك حجم التضحيات التي يقدّمها عمّال الحضائر وأنّ على الحكومة احترام تعهداتها والإسراع بحلّ هذا الملف.