البريد التونسي يرتدي لباس الرقمنة لمقاومة الانقراض

البريد التونسي يرتدي لباس الرقمنة لمقاومة الانقراض

09 أكتوبر 2018
البريد التونسي يحتاج للتطوير (العربي الجديد)
+ الخط -
تتغير الأزمنة وتتطور سبل تواصل البشر فتنقرض مهن وتظهر أخرى. غير أن أول سبل التواصل، وهو البريد التقليدي، يقاوم الانقراض ويتأقلم بالتطوير والتحديث مع متطلبات العصر. وهذا التحدي يخوضه البريد التونسي اليوم بعدما تراجعت خدماته وترهلت إداراته.

وإن لم يعد ساعي البريد يحمل رزماً من الرسائل إلى دور المرسَل إليهم، لأن البريد الإلكتروني حل محله، فإن هذه المهنة ما زالت تقاوم، حتى وإن اقتصر دورها على إيصال المراسلات الرسمية إلى أصحابها.

ساعي البريد الذي كان يحمل دوماً محفظة مليئة بالأسرار والمفاجآت لمن ينتظرها، وتحمله دراجته الهوائية نحو مقصده، استعيض عنه اليوم بكبسة زر على لوحة مفاتيح توصل ما نريد لمن نريد. ولا يذكر كثيرون متى كانت آخر مرة شاهدوا فيها ساعي البريد طوال السنوات الماضية، ويجزمون بأنه لم يعد يزورهم إلا إذا اقتضى الأمر تسليم معاملة رسمية.

كريم، ساعي بريد في أحد مكاتب البريد في العاصمة التونسية، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه لم يعد يتوجه إلى المنازل كما في السابق، وحتى الدراجة الهوائية استبدلت بأخرى نارية توفيراً للوقت. ويشير إلى أن جل الظروف التي يضطر فيها لتسليم مراسلات باليد تكون متعلقة بنتائج انتدابات رسمية، أو أوراق رسمية أو مظاريف مضمونة الوصول إلى أصحابها وأخرى من خارج الوطن.

حال ساعي البريد يشبه تماماً حالة المؤسسة بأكملها، وليس من المبالغة في شيء الجزم بأن "البريد التونسي" أحد أقدم مؤسسات الدولة التونسية، تأسس في أربعينيات القرن التاسع عشر مع أول مكتب بريد في الحاضرة تونس، لتتطور إلى مؤسسة البريد والبرق والهاتف، وتمد أول خط هاتف بين العاصمة تونس وقصر القصبة (مركز حكم الباي)، ومنطقة حلق الوادي، حيث قصور إقامته وقصور وزرائه في مطلع القرن العشرين. وتواصل تطور البريد التونسي ليغطي كافة أنحاء البلاد بخدمات البريد والهاتف والتليغرام في سنوات السبعينيات.

يشكو المواطنون من تراجع أداء مقدمي الخدمة البريدية (العربي الجديد) 


وأمام النسق المحموم للتطور التكنولوجي وللمعاملات أيضاً، جاهدت المؤسسة للحفاظ على مكانتها وسعت للدخول من باب الرقمنة الكبير لتخوض بدورها تجارب تعويض عدد من أعمالها بكبسات أزرار وقواعد بيانات، وتنافس البنوك في الخدمات المالية، لا سيما ما يتعلق بمصداقية معاملاتها وحفاظها على الأرصدة المعدة للادخار.

وتؤكد سنية، الطالبة في مرحلة الماجستير، أنها تزور البريد التونسي مطلع كل سنة جامعية، للتسجيل الرقمي عبر بطاقة نقدية بريدية، وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنها كمعظم المستفيدين من خدمات البريد، تشكو "تقاعس الموظفين وعمل شباك وحيد للمعاملات المالية في نقطة بريد تتضمن سبعة شبابيك، في حين ينشغل الموظفون بالألعاب الإلكترونية، أو يذهبون للغداء أو للصلاة ويتبخرون فجأة". بيد أنها تجزم بأنها تضع جل معاملاتها المالية في البريد لضعف الضرائب على المعاملات مقارنة بالبنوك من جهة، ولتأكدها من الأمان التام لمعاملاتها من جهة أخرى.

ويقاسم منعم، وهو موظف، ويتعامل منذ عشرين سنة مع البريد التونسي، سنية تذمرها، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "مرض التقاعس أصاب جل الموظفين في الإدارات التونسية، ولا سيما خلال السنوات الماضية، وهو ما يولد اكتظاظاً كبيراً داخل نقاط البريد، خاصة عند بداية كل شهر، وقدوم المئات من المتقاعدين لتسلم جراياتهم (رواتبهم) أو خلال العودة المدرسية والجامعية، إذ يستحيل إجراء كل العمليات لعدم توفر العدد الكافي من الموظفين".

غير أن الأمر لن يستمر مستقبلاً على هذه الشاكلة، بعدما صرح وزير تكنولوجيا الاتصال أنور معروف في أكثر من مناسبة، قائلاً "إن البريد التونسي انطلق في مسار الرقمنة، وإن جل المعاملات مع البريد ستصبح عن بعد وعبر تعميم البطاقات البريدية".

من جهة أخرى، قرر البريد التونسي دخول مجال الإقراض والاقتراض وتمويل المشاريع الصغرى، ومنافسة البنوك في ذلك. بيد أن الأمر لا يزال في طور الإعداد وسينفذ خلال مطلع 2019.